«ألا ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله تعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ [1] لم تستطع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدية عين المعنى الذي أودعته حتى تبسط مجموعها وتصل مقطوعها وتظهر مستورها، فتقول: إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد فخفت منهم خيانة ونقضا، فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطت لهم، وآذنهم بالحرب، لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء».
«وكذلك قوله تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً [2] إن أردت أن تنقله بلفظه لم يفهمه المنقول إليه، فإن قلت أنمناهم سنين عددا، لكنت مترجما للمعنى دون اللفظ».
«وكذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً [3] إن ترجمته بمثل لفظه استغلق، وإن قلت: لم يتغافلوا، أدّيت المعنى بلفظ آخر» [4].
فإذا أدركت أن ترجمة القرآن غير ممكنة بمعناها الصحيح، علمت الجواب عن الناحيتين الثانية والثالثة لهذه المسألة أيضا. ذلك أن الشيء الذي لا يستطاع إنجازه يعتبر باطلا من حيث وجوده. ويعتبر محرّما من حيث ممارسته لما فيه من الفساد والإفساد. وإذا كان الأمر فيه كذلك فلا شك أنه لا يصحّ التعبّد بالترجمة ولا تصحّ الصلاة بها، ولا داعي إلى أن نطيل في ذلك من النواحي الشرعية؛ بعد أن عرفت فساد الأمر من الناحية اللغوية ومن حيث الإمكان.
بعد هذا نقول: إن المتأمل ليعجب، عند ما يرى- مع وضوح هذا الذي ذكرناه- دعوة ملحّة، لا تزال تنبع من هنا وهناك، تنادي بضرورة ترجمة القرآن [1] الأنفال: 58. [2] الكهف: 11. [3] الفرقان: 73. [4] تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة صفحة: 16.