تكشف عن المعنى المراد بواسطة التصوير والتخييل، والأداة المستعملة لذلك جملة من المجازات والتشبيهات والاستعارات المختلفة. فكيف يمكنك أن تترجم هذه الآية
ترجمة سليمة لا تفسد المعنى ولا يخرج عملك فيها من الترجمة إلى التفسير؟! ...
والقرآن يقول: نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ [1] وقد مرّ بك أن «مقوين» تحمل معنى: الجائعين، المقيمين في البيداء، المستمتعين. ويقول:
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً [2] وقَراراً بيان لكل الأسباب التي بها أمكن أن يستقر الإنسان على الأرض، ويقول: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها [3] ودحى بمعنى: وسع، وبسط، وكوّر، ودوّر، كما قد مرّ بيانه فيما مضى. وقال عن وصف الخمرة في الجنة: لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ [4] وقد نفى بهاتين الكلمتين جميع عيوب الخمرة المعروفة من ذهاب بالعقل وإذهاب للمال، ونفاد للشراب، وتقزز من طعمه وحرقته.
فكيف تتأتى ترجمة هذه الألفاظ إلى ألفاظ أخرى تحمل نفس المرونة في الدلالة، وتحمل نفس المعاني المختلفة المتنوعة التي لا بدّ من دلالة اللفظ عليها جميعها لتتم الترجمة، إذ إن هذه المعاني كلها مقصودة معا في البيان القرآني؛ مع العلم بأنك لو رحت تشرح دلالات كل لفظة في شرح مطوّل من الألفاظ والبيان، فأنت حينئذ مفسّر ولست بمترجم وإليك ما يقوله في بيان هذا المعنى ابن قتيبة رحمه الله:
« ... وبكل هذه المذاهب نزل القرآن، ولذلك لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقله إلى شيء من الألسنة كما نقل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية، وترجمت التوراة والزبور، وسائر كتب الله تعالى بالعربية، لأن العجم لم تتسع في المجاز اتساع العرب». [1] الواقعة: 73. [2] النحل: 61. [3] النازعات: 20. [4] الواقعة: 19.