نظرة القرآن إلى الحياة:
القرآن يتحدث عن الحياة الدنيا من جانبين:
الجانب الأول من حيث قيمتها الحقيقة، وعلاقتها بما وراءها، ومركزها من قصة الوجود بأسره والحياة كلها.
الجانب الثاني من حيث ما يجب أن تكون عليه حالة الإنسان تجاهها، ومدى ما ينبغي أن يستفيده منها.
فالحياة الدنيا- من حيث قيمتها الحقيقة- حياة فانية، وظلّ زائل ومعبر إلى الحياة الباقية الأخرى. والقرآن يظل يلحّ على بيان هذه الحقيقة وتجسيدها وتنبيه الناس إليها. فيقول مثلا: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً [1] ويقول: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ [2].
أما الحياة الدنيا- من حيث ما ينبغي أن تكون عليه علاقة الإنسان بها- فهي وسيلة إلى تقويم معاشه ومعاده، وسبب لا بدّ من مباشرته لإصلاح أمره وإسعاد نفسه وبني جنسه. ولذلك فالقرآن يأمر الإنسان بالاستفادة من الحياة، على أن لا تكون همّه الأول، وعلى أن يتخذ منها وسيلة للغاية الكبرى التي خلق من أجلها، وسببا يضمن لنفسه به السعادة الآخرة. فهو يقول في هذا الصدد:
وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا [3] ويقول محذرا من معارضة الفطرة الإنسانية بالانقطاع عن متعة الحياة الدنيا وطيباتها: [1] الحديد: 20. [2] آل عمران: 175. [3] القصص: 77.