ولا تمسّ الصورة بأي تعكير أو تشويه؟
لقد أبدع القرآن لذلك تعبيرا عجيبا رائعا ... فانظر ماذا قال:
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ...
(يوسف: 31).
مُتَّكَأً كلمة قرآنية، تصور لك من الطعام ذلك النوع الذي لا يقدّم إلا ترفا وتفكها وتجميلا للمجلس وتوفيرا لمظاهر المتعة فيه، حتى إن الشأن فيه أن يكون الإقبال إليه على حالة من الراحة والاتكاء. والكلمة من الألفاظ الكثيرة التي أبدع القرآن صياغتها واشتقاقاتها فتعلق العرب بها من بعد، ولولا ذلك لما اهتدوا إليها ولخانتهم اللغة
في هذا الباب عن تصوير ما يريدون.
ونظرا إلى أن القرآن إنما تنزل خطابا للناس جميعهم، على تفاوت ثقافاتهم، واختلاف عصورهم فإن الكلمة القرآنية تنطوي على دلالات متعددة، تستجيب للظروف كلها ولأحوال الناس كلهم، إذا كانت تلك الكلمة تتعلق بمعنى يختلف من عصر إلى آخر أو يتفاوت فهم الناس له، حسب تفاوت ثقافاتهم وعلومهم.
ومكان الغرابة والعجب، في هذه الكلمات، أن دلالاتها لا تتناقض على الرغم من اختلافها، ولا يشرد شيء منها عن قواعد اللغة ومقتضياتها، فهي تحتضن في وقت واحد هذه الدلالات، لتقدم إلى كل عصر أو فئة من الناس ما هو أقرب إلى مألوف ذلك العصر أو ثقافة أولئك الناس. وجميعها دلالات صادقة صحيحة لا تنسخ واحدة منها الأخرى.
وأنت لو حاولت أن تلتقط من اللغة كلمات مرنة غنية بهذا الشكل، لرأيت أن الأمر يحتاج إلى جهد عظيم لا يمكن أن ترقى إليه طاقة البشر. مهما أوتي من قوة الحفظ وسموّ البيان.
من الأمثلة على ذلك أن القرآن حدّثنا عن مظاهر نعم الله على عباده، ومن جملتها النار. فنبّهنا إلى مختلف فوائدها لحياتنا، وأوضح أنها متاع يحتاج إليه في حالات السفر واجتياز القفار، ولتحضير الطعام، ولما وراء ذلك من أسباب