نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 334
أين هؤلاء الذين عاهدوا الله؟ (1)
التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 112].
قد علمت نبأ العهد الوثيق بين الحقّ تبارك وتعالى وبين عباده المؤمنين أن يبيعوه أنفسهم وأموالهم جهادا فى سبيله، وعملا لنصرة شريعته، وأن يجزيهم بذلك الجنة.
وعلمت أنه تبارك وتعالى قد بشّر الأوفياء بهذا البيع الرابح فقال تبارك وتعالى:
فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 111].
إن أردت أن تعرف سمات هؤلاء" الأوفياء" من المؤمنين فتأمل هذه الصورة الرائعة من صور الكمال البشرىّ فاسمع.
(التَّائِبُونَ) وإنما التوبة رجوع إلى الحق يمليه الحسّ الدقيق، ويدفع إليه الشعور الحى اليقظ.
ودقة الحس ورقة الشعور أظهر مزايا الإنسانية فى الإنسان، وهل هناك صفة أنبل فى النفس الإنسانية من صفة العدالة والإنصاف فيكون منها لها حارسا أمينا ومرشدا حكيما، يزعها عن النقائص ويكشف لها عن مساويها فتندم وتهب مسرعة نحو الكمال، إذن ليس المقصود بالتوبة هذه الكلمات التى تلوكها الألسنة، وليس المراد بالتائبين من يكثرون قول هذه الكلمات، بل المراد أولئك الذين كملت فى نفوسهم معانى الإنسانية السامية، فاتصفوا بالعدالة والإنصاف، وكان أول مظاهرها عندهم أن يحاسبوا أنفسهم.
(الْعابِدُونَ) فإذا رقى هذا الشعور النبيل فى النفس كشف لها عن كثير من حقائق الكون فعرفت الكون من حولها، وعرفت نفسها، وعرفت خالقها، فقدرت عظمته،
(1) نشرت فى مجلة (جريدة الإخوان المسلمين) الأسبوعية فى العدد (28) من السنة الرابعة الصادر فى 28 من شعبان سنة 1355 هـ- 20 من أكتوبر سنة 1936 م.
نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 334