نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 277
وقد قعدت بهم هذه العقائد المشوّهة عن تحقيق القسم الثانى من الدين وهو القسم العملى، واستشهدت الآية على ذلك بأنهم لا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله.
وهل المقصود بعدم التحريم أنهم استحلّوا بعض ما ورد تحريمه عن أنبيائهم السابقين؟ أو أنهم استحلّوا ما ورد على لسان رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
قولان، والثانى أظهر، فهم مخاطبون بهذا الدين لعموم بعثته عليهم، فإن آمنوا فهم ناجون، وإن أعرضوا فقد هلكوا، وذكر التحريم واكتفى به عن ذكر الناحية المقابلة له وهى فعل الفرائض والمأمورات ببيان أنهم غير حريصين على ما فيه فائدتهم، فإن حكمة التحريم ظاهرة وهى الضّرر، فإذا كانوا يقدمون على ما يجلب عليهم الضرر عنادا وتحدّيا فهم على القعود عما يجلب عليهم النفع أجرأ تحدّيا وعنادا كذلك، ومن استحلّ الحرام فمن باب الأولى لن يفعل الحلال.
وبهاتين الصفتين تحقّقت الصفة الثالثة وهى: أنهم لا يدينون دين الحق وهو الإسلام:
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران: 18، 19] وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ [آل عمران: 85].
وبهذا تكون الآية قد كشفت عن أوصاف أهل الكتاب، وهذه الأوصاف فيها البيان بالواقع.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أنّ من أهل الكتاب من يؤمن بالله واليوم الآخر، ومن يحرّم ما حرم الله ورسوله عليه فى كتبه التى هو مخاطب بها مكلّف باتباعها، وأنهم بذلك يدينون دين الحق فى عرفهم، وعلى هذا فلا تجب مقاتلتهم إلا إذا غيّروا وبدّلوا واستحلّوا ما حرّم الله عليهم على لسان أنبيائهم، فاعتبروا الأوصاف شروطا فى وجوب القتال.
والنتيجة العملية واحدة، لأنه من المقطوع به أنهم غيّروا وبدّلوا، وأنهم لا يدينون دين الحق، لا الذى جاء به أنبياؤهم- ففيه البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم والأمر باتّباعه- ولا الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام.
نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 277