نام کتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن نویسنده : عبد السلام أحمد الراغب جلد : 1 صفحه : 221
وتلمس صورة المشهد القلوب والنفوس بقوله: بُشْراً التي تتوق للمطر، حين ترى مشهد السحاب في السماء وتصطبغ مشاهد الطبيعة المصورة، بأنداء الرحمة الإلهية، ثم وصف الماء ب طَهُوراً يزيد الصورة روحانية وشفافية، فالماء الطهور، يغسل وجه الأرض، ويحييها بعد موات، ويسقى الإنسان والحيوان، ووصف الأرض ب الْمَيْتَةَ وإحياء المطر لها، يهيئ الأذهان لقبول فكرة الحياة بعد الموت. فتصوير الطبيعة يحمل دلالات فكرية ونفسية وفنية، تتناسق مع حركة التصوير في النص القرآني كله لتحقيق وظيفته الدينية الأساسية.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ، فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ الأعراف: 56 - 58.
فمشاهد الرياح والسحاب، والمطر، والنبات، كلها تدل على القدرة الإلهية، فهي مشاهد مترابطة ومتناسقة الأجزاء، يعتمد بعضها على بعض، في تكوين هذه اللوحة الفنية المرسومة للطبيعة، وهي لوحة غنية بالحقائق الدينية التي تطلّ من خلال هذه المشاهد الطبيعية، عن طريق الإيحاء أحيانا، والتصريح بها أحيانا كقوله: كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى.
فتصوير الطبيعة، ليس لمجرد التصوير الفني بل لإبراز الحقائق الدينية من وراء التصوير، فرب الوجود واحد، وقدرته تظهر في المشاهد الطبيعية، كما تظهر في حياة الإنسان، فالحقيقة واحدة، وإن اختلفت الصور والأشكال. ولكنّ البشر يختلفون في إدراك حقيقة الألوهية وآثار الربوبية في الطبيعة والإنسان. تماما كما تختلف الأرض في استقبال خيرات السماء، وما يترتب على ذلك من نتائج وآثار لهذا جاء المثل، عقب تصوير الطبيعة، ليوضح اختلاف الناس في إدراك هذه المشاهد، وما يترتب عليه من نتائج. فهناك في الحياة الإنسانية الطيب والخبيث، والأرض أيضا نوعان: طيبة وخبيثة. فالإنسان الطيب، كالأرض الطيّبة يتأثر بالتوجيه القرآني، ويدرك ما وراء هذه المشاهد الطبيعية من إله قادر على كل شيء، فيؤمن به، وينمو الإيمان في قلبه، ويظهر على جوارحه سلوكا وعملا وعطاء، وأما الإنسان الخبيث فهو كالأرض الخبيثة، فهو لا يتأثر بالمشاهد، ولا بالمواعظ.
يقول الزمخشري في بيان الغرض من التمثيل: «وهذا مثل لمن ينجع فيه الوعظ والتنبيه
نام کتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن نویسنده : عبد السلام أحمد الراغب جلد : 1 صفحه : 221