نام کتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن نویسنده : عبد السلام أحمد الراغب جلد : 1 صفحه : 206
المتجاوزة في التعبير لصورة الإنسان، لتحقيق هذا الغرض من التصوير. ويكون جواب الاستفهام معروفا بدون جدال، فهذه السماء أقوى في بنائها وضخامتها من خلق الإنسان، كما أن تصوير السماء بالبناء، يوحي بتماسكها وقوتها، وتناسقها، وهي دليل على قدرة الله، المتجلّية في الكتل الضخمة، كما هي في الكتل الصغيرة، فالإعجاز الإلهي واحد في الاثنين.
ويلحّ القرآن الكريم على تصويرها فوق الرءوس، تمسك بها يد القدرة الإلهية، لإثارة مخيّلة الإنسان، وتحريك نفسه، لكي يستجيب لنداء الإيمان يقول تعالى: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ الحج: 65.
وفي موضع آخر يصوّر إمساكه السماوات والأرض من أن تزولا إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا، وَلَئِنْ زالَتا، إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً فاطر: 41.
وهي صورة ضخمة موحية، حين نتصوّر هذه الكتل العظيمة، تسبح في الفضاء بلا عمد، ولا أمراس تشدّها، ولكن الله وحده هو الذي يمسك بها جميعا، وهي تدور في مداراتها المرسومة لها إلى أجل معلوم. ويأتي التعقيب متناسقا مع جوّ التصوير إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً فهو يملك هذه القوة والقدرة ولكنه حليم، لا يسمح أن تطبق السماوات فوق الرءوس، ويمهل الناس ليوم الحساب، وهو غفور مع كل هذه العظمة والقدرة.
وترتبط صورة السماء، بصورة الحياة على الأرض، فالسماء هي التي تمد الأرض بالماء والحرارة والضوء والرزق وغير ذلك. يقول الله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ البقرة: 22.
فالتقابل في الصورة بين السماء والأرض، يظهر الصلة الوثيقة بينهما، وهي صلة تواصل وتكامل، حتى يحس الإنسان بقدرة الله عليه، في الأرض التي يقف عليها، والسماء المحيطة به وبالأرض جميعا.
وهنا نلاحظ صورة أخرى مقترنة بصورة بناء السماء وهي صورة الماء النازل منها، والذي يعتبر مصدر الحياة. وبذلك تتوقف الحياة على الأرض على خيرات السماء، والرزق النازل منها، وهذا فيه تذكير للناس بأنّ حياتهم مرتبطة بجود السماء، وهي بين يديه سبحانه، وتذكير أيضا بفضله عليهم، ورزقه لهم، فرزق السماء مما لا يمكن
للبشر أن يتحكموا فيه، فهم خاضعون، مستسلمون، لمشيئة الله وقوانينه، التي تسمح بهذا الجود
نام کتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن نویسنده : عبد السلام أحمد الراغب جلد : 1 صفحه : 206