قوله رحمه الله: [وسؤرُ الهِرّةِ، وما دُونَها فِي الخلْقَةِ طَاهِرٌ]: قوله: [وسؤرُ الهِرّةِ]: السؤر: الفضلة من الشراب، واحد الآسَار، وصورة المسألة: أن تشرب الهرة من إناء، ثم تُبْقِي فضلةً بعد شربها فهذه الفضلة باقية على الأصل، ولا يُحكم بنجاستها لما ثبت في الحديث الصحيح عن أبي قتادةَ رضي الله عنه أنه كانَ يتوضّأ من إناء، فجاءت هرة فَأصْغَى لها الاناءَ حتّى شربتْ، ثُمّ أتم وضُوءَه من سؤرها، وكبشةُ بنتُ كعبِ بنِ مالكٍ تنظرُ إليه فقال: أتَعْجبينَ يا إِبنَة أخي؟ فقالت: نعمْ، فقال: إنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [إِنها ليستْ بِنَجسٍ إنها من الطّوافينَ عليكُمْ، والطَّوافاتِ]، فدلّ هذا الحديث على طهارة الهرة حيث صرّح عليه الصلاة والسلام بعدم نجاستها، وفي هذا الحكم تيسير، ورحمة بالناس؛ لأن الهرة تخالطهم، وتكون معهم، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- مشيراً إلى هذه العلّة: [إنها منَ الطوافينَ عَليْكُمْ، والطوافَاتِ] ومن أهل العلم من قال: هي نجسة، ولكن خُففَ في حكمها لمكان المشقة؛ وذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: [إِنها منَ الطّوافينَ عَليكمْ، والطّوافَاتِ] قالوا: إذ لو كانت طاهرة في الأصل لقال: إنها طاهرة، لكن كونه يقول: [إنها من الطّوافينَ عليكمْ، والطّوافاتِ] كأنه يقول: إن فيها من الحرج، والمشقة ما يوجب التخفيف في نجاستها وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله ولكنّ قوله عليه الصلاة والسلام: [إِنّها ليستْ بِنَجَسْ] صريح في الدلالة على نفي نجاسة الهرة، فترجّح به مذهب الجمهور رحمهم الله.
قوله رحمه الله: [وما دُونها في الخِلْقَةِ] الضمير عائد إلى الهرة، ودون