صحةِ نسبة القول للإمام وحسب، فتراهُم يعبرون بـ (المُفْتَى به)؛ لأن في مذهبهم جَمْعًا ممن سَلَّمُوا لَهُم الإمامةَ غيرَ أبي حنيفة، كأبي يوسف ومحمد بن الحسن وزُفر، فلهم مسلكٌ في الإفتاء حينًا برأي هذا وحينًا برأي ذاك، وكذا الشَّافعية ترى عندهم وجوهًا وقديمًا وجديدًا، والحنابلة رواياتٌ؛ معتمدا منها وغير معتمد. فإذا صَحَّ هذا، لَزِمَ منه أن لا تَصِحَّ قاعدةٌ في التقليد والفتوى إلا من ذات المذهب؛ لاختلافهم في الحقائق والمعاني.
أما السَّادة المالكية فالعبرةُ عندهم إنَّما تكون بقول الإمام لا غير، فلا يُعدَل عنه البتة لقول أحدٍ من نُظَّار أصحابه، بلا خلاف صحيح يُعتدُّ به؛ لأنه تقرَّر في الأصول أنه لا يجوز إلَّا تقليد المجتهد المطلقِ، ثم قيِّد بالأئمة الأربعة، وعلماءُ المذهب ليسوا من أهل الاجتهاد المطلق. وقرَّر المحقِّقون من أهل المذهب أنه لا ابن القاسم ولا غيره من علمائنا بأهل اجتهادٍ مُطلقٍ [1].
فإن كان خلافٌ في النَّقل عن الإمام فلهم فيه تفصيلٌ دقيقٌ قائمٌ على قواعدَ مَتينة، من تقليد الأطول صُحبة وآخر النَّاس عهدًا بالإمام، فإن كان الأمرُ بعد عهد تلاميذ الإمام فالقولُ قول المُعتنين بالمدونة من المغاربة لا العراقين؛ لأنهم ألصق بفروع الإمام وحافظوه، وأولئك ألصقُ بما ينصُره من دليل، والحافظُ متقيِّد، والنَّاصر رُبَّما نصرَ بدليل في تضاعيفه ما لا يقبلُه الإمام، خاصَّة أن أولئكَ المنتصرين لا ينتصرون في الغالب بدليل جُزئي نَصَّ عليه الإمامُ، وإنما ينتصرون بأدلَّة جزئيَّة مُستمدةٍ من الأدلة الكُلِّيَّة التي يقول بها الإمام، وهذه الطَّريقة وإن كانت صحيحة في نفسها إلَّا أنه يتطَرَّقُ [1] انظر: كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج، للتنبكتي، ص: 216.