من الإفتاء بما فيه؛ لأنَّه من كتب الفتاوى، فإن لم يعتدَّ به في بابه، كان أحرى أن لا يعتدَّ به في غير باب الفتوى؛ كالحفظ والتدريس والتعليم، لذلك أصيبَت بعضُ الكتب في مقتل بسبب التنفير عنها، والتحذير من الإفتاء بما فيها، وهي من كتب النوازل والفتاوى لا غير.
أما ديوان "التبصرة" فليس من كتب النوازل قطعًا، ولم يُرِد مؤلِّفه من تصنيفه أن يُصَيِّرَهُ كذلك، بل غاية ما قيل فيه: إنَّه وضعَه -شرحًا أو تعليقًا- على المدونة, ونحن -وقد خبرنا الكتاب وعشنا معه زمانًا- نجزم بعدم صحَّة هذا القول، ونزعُم أنَّ الكتاب يشكل حلقة مستقلة في سلسلة التأليف الفقهي عند المالكية، وهو أقرب إلى أن يكون نقدًا لروايات المدونة والترجيح بين آراء المتقدمين فيها وفي غيرها من أن يكون شرحًا، أو تعليقًا عليها بما يفيد التسليم المطلق بما فيها.
فما أكثر ما انتصر اللخمي للدليل وردَّ به ما خالفه من أقوال وآراء، وإن كانت مما يفتى به في المذهب!
وبهذا يتقرر أن القول بعدم اعتماد "التبصرة" في الفتوى قولٌ مقبول ما لم يُرَد به لمزها أو غمز قناة مصنِّفها -رحمه الله-.
الأمر الثاني: أن للإفتاء قواعد تختلف من مذهب إلى مذهب، وللمالكية خصوصيَّة في هذا الباب أوجزها الأخ الشيخ حسن بن عبد الرحمن الحسين المالكي، وننقلها -بنصها- عنه لما فيها من تقريب الأمر من مبتغيه، فقد قال وفَّقه الله: لكلِّ مذهبٍ طريقة مختلفة في تعيين الصَّحيح والرَّاجح أو ما عليه الفتوى، جَرَّ إلى ذلك اختِلافُهم في الأصول، فإن السَّادة الحنفية تراهم لا يَذكُرونَ مشهورًا أو تصحيح روايةٍ؛ لأن مناطَ النَّظر عندهم ليس على