مسيرة أيام على أنه إن وُجد دون ذلك رجع. وقد قدمنا أيضًا الإشارة إلى هذا.
والقسم الثالث أن يعرض له شك في قدر الإقامة الرافعة لحكم السفر، فمن ذلك إمام الجيش ينوي الإقامة ببلد الحرب فإنه يقصر عندنا وعند أبي حنيفة ولا يرفع حكم القصر عزيمة مُقام أربعة أيام. قال أصحابنا لأنه لا يملك ذلك ملك الثقة حتى يجاوز الدروب ويصير بمحلة أمن. وعند الشافعي أنه إن أقام على تنجز الحرب فله القصر إلى ثمانية عشر يوماَ فإن زاد على ذلك فقولان: أحدهما منع القصر. والثاني جوازه إلى أن ينقضي الحرب. وإن نوى المقام أربعة أيام ففيه أيضًا قولان. قال في القديم: يقصر. وقال في الجديد: يُتم.
وقد روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام في غزوة تبوك عشرين يومًا يقصر [1] الصلاة.
وقال ابن عباس: "أقام - صلى الله عليه وسلم - لحرب هوازن ثمانية عشر يومًا يقصر الصلاة فمن أقام أكثر من ذلك فليتم الصلامه [2]. وهذا الذي قاله ابن عباس من هذا الخبر عليه عوّلت الشافعية في التحديد بثمانية عشر يومًا. ويتأولون حديث جابر على أنه حسب يوم الورود ويوم الخروج. فبهذين اليومين كملت عشرين. ومن هذا النوع أيضًا مسافر البحر يحبسه الريح فقال ابن حبيب يقصر أبدًا ما أقام. وقد كنا قدمنا الكلام على هذا وذكرنا ما وقع في المدونة وغيرها. وينبغي عندي للمحبوسين بالريح يتحققون المُقام الطويل بعادة جرت عندهم في الرياح في بعض الأماكن أن يتموا ومن هذا النوع أيضًا أن يشك في قدر المقام لشكه في مقدار الشغل الحابس له فقد قال ابن حبيب: من حبسه في السفر علة دابته، أو ينتظر متاعاَ يُتم عمله، أو حاجة لا يدري متى نهاية ذلك فليقصر حتى يوقن أنه يقيم لذلك أربعة أيام. وبهذا قال أبو حنيفة وإن خالف في مدة الإقامة. وقال بعض الشافعية: ومن دخل بلدًا لينجز حاجة ونوى أنه متى تنجزت حاجته خرت، أو كان مريضًا ينوي أنه متى زال مرضه خرج، فله أن يقصر إلى سبعة [1] رواه أحمد وأبو داود والبيهقي وصححه ابن حزم والنووي. بلوغ الأماني، ج 5 ص 158. [2] رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمرو بن عثمان الكلامي وهو متروك مجمع الزوائد، ج 2 ص 158.