فيمن قدم للحج فأتم بمكة الصلاة ثم خرج إلى مني قال يقصر بمنى. قيل ففي طريقه قبل أن يصل إلى مني قال: لا أدري. وما ذكرناه من التعليل يقتضي القصر في الطريق. وقد توقف مالك فيها. واختلف قول مالك في المكيين والمَنَويين إذا انصرفوا من مني إلى مكة فادركتهم الصلاة في المحصّب أو تأخروا بمنى لزحام ونحوه فقال يتمون. ثم رجع فقال يقصرون. واختلف فيه قول ابن القاسم أيضًا. قال بعض المتأخرين إنما اختلف القول في هذه المسألة للاختلاف في التحصيب، هل هو مشروع أم لا، فإن قيل إنه مشروع فالحكم الإتمام. وإن قيل أنه غير مشروع فالحكم القصر. وهذا التعليل الذي أشار إليه هذا المتأخر مقصور على صلاة المحصّب. وهو قد ذكر الخلاف في المكي المتأخر بمنى. وكذلك ذكر ابن المواز الاختلاف في المكي المتأخر بمنى تَحْضره الصلاة، أو في طريقه. وذكر الطريق مجملأويلزم على هذا أن يقصر المَنَوي في رجوعه إلى مني من مكة لأنه بقي عليه عمل من أعمال الحج. وإنما ألحقنا هذا الفصل ها هنا لكون رجوع المكي بين حالين مختلفين فإن مكة وطنه يوجب الإتمام ومنى كان فيها على القصر.
والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: الشك يعرض للمسافر في حقيقة سفره على ضروب: منها أن يبرز [1] للسفر وتماديه عليه معلق بسفر غيره. وقَد قدمنا جواب هذا لقسم. وفي الموازية في مسافر لم يبلغ مسافة القصر حتى رد رفيقه إلى الموضع الذي خرج منه، وهو لا يمضي على سفره حتى يرجع إليه رسوله، أنه يقصر. ورأى أنه لما بقي بنفسه فهو على حكم السفر. وإن شك هل يقيم رسوله أربعة أيام أم لا؟ فقد قدمنا حكم رجوعه بنفسه لحاجة.
والقسم الثاني أن يشك في مبلغ السفر فإنه لا يقصر استصحابًا لحكم الإتمام. وقد قال مالك فيمن خرج لبيع سلعة وأمامه أسواق بين كل سوقين منها خمسة عشر ميلًا، وكذلك بينه وبين أولها، ففي أي سوق وجد البيع باع، أنه لا يقصر حتى يخرج مجمعًا على بلوغ غاية الإقصار. وكذلك في الموازية إذا خرج ينوي السوق الأقصى على أنه إن وجد البيع دونه باع، أو خرج لطلب آبق على [1] ينوي السفر = قبل.