اختلف قول مالك فيها وأجرى مجراه بعض المتأخرين مسألة المردود بالريح على اختلاف قول مالك. وقد ذكرنا عن سحنون أن مسألة المردود بالريح آكد في القصر من المسألة التي خرّج عليها هذا المتأخر الاختلاف. وأشار بعض أشياخي إلى أن المردود بالريح لما كان على شك من أول سفره في رد الريح كان حكمه الإتمام لما لم يصح منه الرفض بالشك [1]. والرفض إذا لم يصح بقي على الأصل. وهو الإتمام وصار كمن تقدم أصحابه لا يسير إلا بسيرهم. ولما رآه سحنون راجعًا بغير اختياره بل هو مكره على الرجوع أبقاه على حكم القصر، ولم يجعل لرجوعه تاثيرأ لما كان مكرهًا عليه. . المكره لا حكم لفعله.
وهذا الذي قاله شيخنا يُلاحظ ما كنا قدمنا؟ عن ابن المواز من قوله: في مسافر يقطع البر ثم البحر أنه إن كان لا يبرح إلا بالريح لم تضم مسافة البرّ إلى مسافة البحر في إكمال مبلغ السفر، ورأى أن الريح لما كانت مشكوكًا في أمرها لم يتحقق السفر مع الشك فيه. ويلاحظ أيضًا قولنا في الجيش ببلد الحرب أنه يقصر ولو عزم على مقام أربعة أيام لأنه لا يملك المقام هناك، وليس على ثقة منه. فجعلوا عدم الثقة ها هنا يرفع الحكم.
ومما يجري على هذا الإسلوب مسألة المدونة فيمن أقام بمكة بضعة عشر يومًا فأوطنها ثم خرج يعتمر من الجحفة ويعود إلى مكة فيقيم بها اليوم واليومين. فقال مالك يتم في هذا المقام الثاني بمكة ثم قال: يقصر. فهذا لما كان حكمه الإتمام بمكة في الحلول الأول، وفصل بينه وبين الحلول الثاني سفر قصر اختلف قوله في تلفيقا لحلولين بعضهما إلى بعض. فمرة لقهما ولم يقدر السفر فاصلأ لما وقع بنية العودة، ولم يتضمن رفض الحلول الأول فأتم. ومرة رآه فاصلًا فَقصر. ولم ير ذلك كعودته إلى الوطن لأن الوطن يتم فيه على كل حال، ومكة ها هنا إنما أتم فيها بإقامة ما، ونية لذلك. والوطن لا يفتقر لذلك.
وكأنه مرة ألحق الحلول الثاني بالأول ومرة ألحقه بما يليه وهو سفر القصر. ولو اعتمر هذا من موضع لا يَقصر الصلاة لأتم من غير خلاف؛ لأنه لم يحدث ما يقتضي القصر فيستند هذا الحلول الثاني إليه. وإنما تصور هذا الخلاف في هذه [1] للشك - قل.