قضاء نسكه ثلاثاً [1]. وقد كان المسلمون، لما هاجروا من مكة إلى المدينة حرم عليهم المقام بمكة لأنها دار شرك فلما صارت دار إسلام حرموا على أنفسهم المقام بها فأذن لهم - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أيام. فأشعر ذلك بكونها في حكم السفر. وأن ما زاد في حكم الإقامة، وجعل عمر رضي الله عنه لأهل الذمة لما أجلاهم من الحجاز إذا قدموا أن يقيموا ثلاثاً فدل على أن ما زاد على الثلاث في حكم الإقامة. وقد جعل الله الثلاثة قريبًا. قال {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} [2] فعقروها فقال: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [3]. وأما دخوله - صلى الله عليه وسلم - مكة صبيحة يوم الأحد الرابع من ذي الحجة وقد كان صلى الصبح قبل دخوله. فأقام بها بقية الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح بها في اليوم الثامن ثم خرج إلى مني وكان يقصر في هذه الأيام. وهذه المدة يصلى فيها عشرون صلاة [4]، فإنه دخل بعد أن أصبح. وإذا مضى بعض النهار لم يحتسب به. وسيأتي ذكره علَى أنه لم ينقل أنه نوى إقامة هذا المقدار ونحن إنما نجعل الأربعة مؤثرة من حق من عزم على إقامتها. ومن حد من أصحابنا بالعشرين صلاة. فهذا الحديث حجة عليه، إلا أن يتأول أنه لم ينو إقامة هذا المقدار حين دخوله. فإن تأول ذلك منع نفسه بأن يتعلق بهذا الحديث وطولب في تحديد العشرين صلاة بدليل آخر ولا يجد سوى ما قدمناه من الدلالة على اعتبار أربعة أيام. فلما كان المسافر لا بد له من إقامة تتخلل سفره سقط اعتداد قليل الإقامة وافتقر إلى حد فاصل بين القليل منها والكثير، فكان التحديد بالثلاث أولى لما قدمناه من الأدلة.
وأما أبو حنيفة فانه رأى أن تحديد القليل بما دون الخمسة عشر إذ الأغلب أنه لا يقيم الخمسة عشر يومًا وهو عازم على السفر. ويحتج أبو حنيفة أيضًا بقول ابن عباس وابن عمر: إذا قدمت بلدًا وفي نفسك أن تقيم خمسة عشر يومًا فأكمل الصلاة. والظاهر أنهما لا يقولان ذلك إلا عن توقيف. وأجيب عن هذا بأن عثمان رضي الله عنه قال: من أجمع على إقامة أربعة [1] رواه مسلم بسنده إلى العلاء بن الحضرمي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثًا. إكمال الأكمال ج 3 ص 448. [2] سورة الأعراف، الآية: 64. [3] سورة هود، الآية: 65. [4] مرتبط بقوله وأما دخوله.