العدد إذ عُلّق بالخوف وأن مقتضاها أن القصر مع الأمن لا يكون حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال. وذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول في السفر: أتموا صلاتكم. فقالوا إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ركعتين فقالت إنه كان في خوف فهل تخافون أنتم؟ [1] وظاهر هذا إشارة إلى حمل الآية على قصر العدد في الخوف. ولكنه قد فهم من إشارتها أنها فهمت ما فهم عمر رضي الله عنهما.
ولم تعلم ما علم من إسقاط حكم التعليق بالخوف. ويجب عندي أن يتأول أن قولها هذا على أنها أرادت تفضيل الإتمام على القصر أو أرادت إعلامهم بجوازه في السفر كي لا يظنوا أن القصر فرض كما ظن ذلك من ذهب إليه من العلماء.
وإنما دعا إلى تأويل قولها هذا إن الإتمام في السفر لا أعلم أحدًا يقول بوجوبه.
ومما تجاذبه الفريقان من قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [2]. فهذان تعليقان الأول منهما الضرب في الأرض. وقصر الوصف يجوز مع الضرب في الأرض ومع عدمه. والثاني منهما الخوف وقصر العدد يجوز مع الخوف والأمن في السفر. فمن حمل الآية على قصر الوصف التفت إلى جانب التعليق الثاني وهو الخوف وجعل التعليق الأول كأنه لبيان الحال ولمطابقة العدد. فإن الخوف لا يكون في القرار، وإنما يكون في الأسفار. ويستدل بأن القائل إذا قال لزوجته إذا دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيدًا. فإن الطلاق يتعلق بالكلام. وإنما الدخول لبيان الحال.
والطلاق إنما يقع بالكلام ولكن بعد الدخول. هذا إن كان حامل هذه الآية على قصر الوصف ممن يجيز صلاة الخوف في الحضر كما يجيزها في السفر فحينئذ يحتاج إلى الاعتذار عن التعليق بالضرب في الأرض. وأما إن كان ممن يمنع صلاة الخوف في الحضر فلا حاجة به إلى الاعتذار عن التعليق الأول، بل التعليقان عنده مستعملان. إلى هذه الطريقة ذهب ابن الماجشون من أصحابنا.
فقال في المبسوط في صلاة الخوف إنما تأولها أهل العلم في السفر. لقوله
= ماجة وغيرهم. الدر المنثور ج 2 ص 109. [1] رواه ابن جرير الطبري في التفسير ج 5 ص 155. [2] سورة النساء، الآية: 151.