وكذلك إن نوقض هذا بالتخيير بين الصوم والفطر فقد أجبنا أنه ليس، بإسقاط، والتعجيل ليس بردّ. وإكمال الأربع كالرد لما شرع من الإسقاط. ألا ترى أنا قدمنا أن الأحكام لا يصح تفويض شرعها إلى العباد. وتعجيلها قد فوض [1] إليهم عند سبب ما كما جعل الله للحالف قبل حِنْثه لوجود سبب الحنث وهو اليمين. وكما جعل للمزكي المقدم زكاته قبل الحول عند من رأى ذلك. فأنت ترى كيف جاء الشرع بأن تعجيل الأحكام بخلاف شرعها ابتداء.
وأجيب عن هذا أيضًا بأن إكمال الأربع زيادة ثواب وزيادة مشقة. وفي القصر زيادة تخفيف ونقصان ثواب فصار ذلك في معنى مختلف. وبعض من قال إن القصر فرض لم يسلم هذا. وقال لا يسلم أن صلاة المسافر أقل ثوابًا من صلاة الحاضر لأن الثواب التام في فعل العبد كل ما عليه. وقد سئل عليه الصلاة والسلام عن أفضل الصدقة قال: جهد المقل أي طاقته [2]. وإذا سقطت عبرة الثواب لم يبق للأكثر فائدة. فهذه عمدة القائلين بأن القصر فرض.
وأما القائلون بأن القصر ليس بفرض فإنهم يعتمدون على قوله: تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [3]. فلو كان القصر فرضًا لم يقل فيه فلا جناح عليكم إذ لا يعبر عن الواجب بأنه لا جناح فيه. وإنما يعبر ذلك عما يجوز العدول عنه وأن لا يفعل. وقد اختلف الناس في هذه الآية هل المراد بها قصر العدد أو قصر الوصف؟ فذهب بعضهم إلى أن المراد بها قصر العدد.
وذهب بعضهم إلى أن المراد بها قصر الوصف، ثم اختلفت طريقة هؤلاء في قصر العدد ما مقداره في الآية؟ هل هي [4] جملة واحدة أو مركبة من جملتين؟ وذهب آخرون إلى أن المراد بها قصر الوصف. وسبب هذا الاختلاف أن الله سبحانه قال عقب ذلك: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}. فقال بعضهم المراد بقضيتم أردتم [1] فرض -و-. [2] أبو داود. المختصر للمنذري. [3] سورة النساء، الآية: 101. [4] في -و-.