نام کتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية نویسنده : محمد محمود ربيع جلد : 1 صفحه : 73
. وإنما الذي فضل به أهل المشرق أهل المغرب هو ما يحصل في النفوس من آثار الحضارة من العقل المزيد كما تقدم في الصنائع.. وذلك أن الحضر لهم آداب في أحوالهم في المعاش والمسكن والبناء وأمور الدين والدنيا.. ولا شك أن كل صناعة مرتبة يرجع منها إلى النفس أثر يكسبها عقلا جديدا تستعد به لقبول صناعة أخرى, ويتهيأ بها العقل لسرعة الإدراك للمعارف.. وحسن الملكات في التعليم والصنائع وسائر الأحوال العادية يزيد الإنسان ذكاء في عقله وإضاءة في فكره بكثرة الملكات الحاصلة للنفس"[1].
ومعنى هذا أنه إذا استبعدنا سكان المناطق المتطرفة المناخ كما ذكرنا في فقرة أخرى، فإن النظريات المبنية على التصورات الخاطئة عن احتمال تفوق أمة من الأمم في الاستعداد الطبيعي, أو القدرات الذهنية هي فروض لا يمكن إثباتها علميا.
3- إن تأثير الأسلوب العلمي على كتابات ابن خلدون يمكن العثور عليه في الأمثلة التي ذكرناها حتى الآن, وفي كل فروضه الأساسية سواء تلك التي تتناول أساليبه المنهجية الجديدة, أو ميادين البحث التي اكتشفها وخاصة في مجالات الاقتصاد والسياسة والاجتماع.
ولا تختلف الطريقة التي تناول بها العلم عن مثيلاتها بالنسبة لعناصر العمران الأخرى, ونعني بها تفرقته الأساسية بين البداوة والحضارة. وحيث إنه أثبت أن التعليم من المهن التي تتقدم في المدن فقط, فإنه يتبع ذلك أن العلوم لا تزدهر إلا في ظل عمران مستبحر, وحضارة متطورة. فمثلا إذا كانت أمة تعيش عيشة بدائية حيث ينشغل الناس بالكد من أجل إشباع حاجاتهم الأولية من الغذاء والمأوى, فإن العلوم في مثل هذه البيئة والظروف ستكون متخلفة بالتبعية. وبالعكس, فإن الارتفاع المادي لمستوى المعيشة والاستمتاع بالرفاهية يسمح لهذه الأمة بتحويل جانب من الاهتمام والجهد نحو العمل على تقدم العلوم بهدف مواجهة الحاجات المتزايدة للعمران. [1] المقدمة, طبعة وافي، صفحتا 988، 989.
نام کتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية نویسنده : محمد محمود ربيع جلد : 1 صفحه : 73