نام کتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية نویسنده : محمد محمود ربيع جلد : 1 صفحه : 72
"فليرجع الإنسان إلى أصوله، وليكن مهيمنا على نفسه, ومميزا بين طبيعة الممكن والممتنع بصريح عقله ومستقيم فطرته. فما دخل في نطاق الإمكان قبله وما خرج عنه رفضه. وليس مرادنا الإمكان العقلي المطلق, وإنما مرادنا الإمكان بحسب المادة التي للشيء. فإنا إذا نظرنا أصل الشيء وجنسه وصنفه ومقدار عظمه وقوته أجرينا الحكم من نسبة ذلك على أحواله, وحكمنا بالامتناع على ما خرج من نطاقه"[1].
ويمكن توضيح الطريقة التي تناول بها ابن خلدون هذا العنصر بالرأي المتطور الذي أبداه عن السبب في اختلاف القوة الذهنية بين الأمم البدوية, والأمم الحضرية. ففي رأيه أن القدرات الذهنية العالية, والمنخفضة لا ترجع إلى أي أسباب عنصرية, وإنما إلى أسلوب الحياة المادي الذي يسلكه الناس في الحصول على معاشهم. وانتقد في ذلك أقرانه من أهل المغرب الذين زاروا المشرق العربي, وبهرهم تقدمه فعادوا ليروجوا رأيا لا يستند إلى أي أساس صحيح, مؤداه أن أهل المشرق بشكل عام متفوقون عقليا. ويرد على ذلك بأنه ليس هناك أي فرق بين عرب المشرق, وعرب المغرب بالنسبة للقدرات الذهنية أو بالنسبة لطبيعتهم الإنسانية. والتفوق الذي قد يلاحظه الإنسان في هذه الحالة يكمن في الذكاء الذي يضيء بتأثير أسلوب الحياة الحضرية. أما الأسباب التي يعطيها الأولوية في إكساب مثل هذا التفوق العقلي فهو الواقع المادي للحياة الحضرية وانتشار الصنائع والتعليم. وإذا عقدت مقارنة بين أمم حضرية وأمم بدوية فإن الإنسان يلاحظ بسهولة مدى ما يتمتع به الحضريون من ذكاء ونفاذ بصيرة.
"حتى إنه ليظن كثير من رحالة أهل المغرب إلى المشرق في طلب العلم أن عقولهم على الجملة أكمل من عقول أهل المغرب, وأنهم أشد نباهة.. وليس كذلك [1] المرجع السابق، صفحة 506، انظر أيضا الرأي الحديث في هذا الموضوع:
Arnold Brecht, Political Theory op. cit. pp. 419, 425.
نام کتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية نویسنده : محمد محمود ربيع جلد : 1 صفحه : 72