ليس للدعوة إلى الإسلام، بحد ذاتها، من مشكلات، وإنما تنبع المشكلات من جهل من قد يمارس الدعوة إلى الإسلام.. يدعو الناس إليه دون أن يتبصر أحكامه، مكتفياً بالاعتماد على صدق عواطفه ومحبته للإسلام!..
وإذا اكتفى المسلم، في مجال الدعوة إلى الإسلام، بالعواطف التي يعتز بها، بعيداً عن الاهتمام بدقائق علومه وأحكامه، طبقاً لما دلت عليه نصوص القرآن والسنة الصحيحة، ولما اتفق عليه أئمة المسلمين وسلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم، فإن عواطفه ستنأى به عن كثير من حقائق الاسلام وأحكامه التي تضمنها كتاب الله أو أرشدتنا إليها سنة رسوله، أو اقتبسها منهما أو من أحدهما السلف الصالح من أئمة المسلمين اجتهادا فتلاقت كلمتهم عليه.
إذ العواطف ما لم تلجم العلم وقواعده، ستتحول إلى سلاح بيد النفس وغوائلها، سواء علم صاحب هذه العواطف ذلك أم لم يعلم.
ومن هنا ينبع ما نسميه مشكلات الدعوة. وهي تتفاوت في السوء والخطورة، حسب سوء نتائجها وآثارها. فأخطرها تلك التي تأتي بنقيض ما يتوخاه الداعي من سعيه وعمله، أي تزايد الناس بعداً عن الإسلام وضيقاً به، إذ تثير في نفوسهم صوراً وأخيلة باطلة عنه، فيحكمون عليه من خلال تلك الصور التي نبتت في اذهانهم، من أخطاء أولئك الدعاة!..
ولا حقيقة أن هذه المشكلات كثيرة متنوعة.
ولكني لا أستطيع في هذه العجالة أن استقصيها بالبحث والمعالجة. فلأكتف عن ذلك كله، بأهمها وأخطرها،
وهي مشكلات ثلاث سأعالجها مرتبة حسب تفاوتها في الأهمية والخطورة.
***
المشكلة الأولى: مسألة تكفير الناس:
وهذه من أهم المشكلات التي تنبثق عن الضغط النفسي لدى من لم يضبط نفسه بقواعد العلم وأحكام الكتاب والسنة.
فلنبدأ قبل كل شيء ببيان القاعدة التي التقى عليها سلف هذه الأمة وأئمة المسلمين جميعاً، ما عدا الخوارج الذين تم الإجماع على تلبسهم بالشذوذ والخروج على ما تقتضيه نصوص الكتاب والسنة، وهي القاعدة التي يمكن تصنيف الناس على أساسها بين الإسلام والكفر.
إن التصرفات المكفرة، على تنوعها وكثرتها، لا تخرج عن الأنواع الثلاثة التالية:
النوع الأول: الاعتقادات، وتتمثل في أن ينكر الإنسان شيئاً من أركان الإيمان أو الإسلام، أو يحلل حراماً أو يحرم حلالاً مما هو معروف من الدين بالبداهة والضرورة.
كالذي ينكر وحدانية الله، أو البعث والنشور، أو الجنة والنار، أو وجوب الصلاة مثلاً، أو الصيام أو الزكاة أو الحج.. أو ينكر حرمة الزنى أو الربا بصورة مطلقة عامة.. الخ.
النوع الثاني: الافعال. وضابط الأفعال المكفرة أن تكون ذات دلالة على شيء يتناقض مع ركن ما من أركان الإيمان. كالسجود لصنم، وكوضع الصليب في العنق، أو تقبيله، وكالتزيي بالأزياء التي تخص رجال الأديان الأخرى، أي التي لها دلالة دينية..فإن هذه الأفعال لها دلالة واضحة، لا تقل عن دلالة النطق. ومدلولها في المثال الأول الاعتقاد بألوهية الصنم الذي سجد له، والاعتقاد بصلب سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام في المثال الثاني. وهكذا..
ثم إن هذه الافعال مكلفة بمجرد فعل الإنسان لها بمحض إرادته واختياره، سواء أكانت مدلولاتها قائمة في ذهنه ام لا.
النوع الثالث:ما يدخل في نطاق السخرية أو التحقير. وضابط ذلك أن يسخر من تلك المبادئ أو الأحكام التي يكفر الإنسان بإنكارها. كأن يسخر من الصلاة أو الحج أو الجنة أو النار، أو كأن يسخر أو يزدري بالقرآن أو بأحد من الرسل أو الانبياء، أو الفقه الإسلامي عموماً، أو يمتهن شيئاً من الشعائر البارزة للإسلام، كالأذان والمساجد، والأذكار..الخ [1] [11] .
فإذا لم يتلبس الإنسان بشيء من هذه الانواع الثلاثة من التصرفات فهو مسلم لا يجوز تكفيره. وكذلك إذا كنا في شك من وقوعه في واحد من هذه الاشياء، فإن الأصل براءته منه، ولا يجوز الحكم بردته وخروجه عن الإسلام إلا استناداً إلى دليل يقيني في ذلك.
فلنأخذ هذه القاعدة ولنطبقها على المشكلة القائمة اليوم والتي يدور حولها حديث كثير من الناس الذين يهمهم أمر الدعوة الإسلامية، الا وهي مشكلة من لم يحكم بما أنزل الله، هل يعد كافرا ًبموجب هذه القاعدة التي أوضحناها أم لا؟
ولكي تكون اجابتنا واضحة مفيدة، لا بد أن نتساءل عن معنى الحكم بغير ما أنزل الله، فما هو معناه؟
معناه: إبرام الأمر وتقريره على خلاف ما شرع الله عز وجل. سواء تم هذا الإبرام من الإنسان في حق نفسه أو في حق اهله وأولاده أو في حق اصدقائه واصحابه، أو في حق أمته ومجتمعه. [1] 11] هذه القاعدة الكلية تغنيك عن تتبع الجزئيات. ولكن إذا اردت الوقوف على الجزئيات والتفاصيل الكثيرة فارجع إلى كتاب الإعلام بقواطع الإسلام لابن حجر الهيتمي رحمه الله.