responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 59
فيما يبدو. فقد بعث السيد المسيح إلى بني إسرائيل وقد غلبت عليهم مادية كافرة، يعبدون الذهب ويعيشون للحياة الدنيا، ولا ظل في حياتهم للإيمان باليوم الآخر ولا حساب له في قلوبهم. جفت أرواحهم فلم تعد فيها نداوة الحب ولا إشراقة النور التي تصاحب الإيمان بالله.
من أجل ذلك كانت الروحانية هي السمة الغالبة على دعوة السيد المسيح، وكان الإكثار من الحديث عن الزهد والارتفاع على شهوات الأرض، لعل الدعوة على هذا النحو تلين القلوب القاسية التي قال الله عنها:
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [1].
وهل أدل على هذه القسوة من أن تبيح لهم وحشيتهم أن يقتلوا "الأمميين" في عيد الفصح ليعجنوا بدمائهم فطيرة "مقدسة! " ثم يأكلوها ابتهاجًا بالعيد؟!
وفُجر بنو إسرائيل فلم يستجيبوا لهذه الدعوة المترفعة التي دعاهم إليها السيد المسيح، بل سعوا إلى إثارة الحاكم الروماني "بيلاطس" ليحكم عليه بالقتل صلبًا.. لولا أن الله نجاه منهم ورفعه إليه فلم يقتلوه ولم يصلبوه. وقال الله عنهم:
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [2].
ولكن الدعوة المترفعة التي أعرض عنها قساة القلوب تسربت -بقدر من الله- إلى قلوب أخرى اعتنقتها وآمنت بها وتلقت روحانيتها الندية بالترحيب: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} [3].
وهؤلاء هم الذين ابتدعوا الرهبانية.
{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} .
وسواء كان الاستثناء في الآية منقطعًا بمعنى: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ولكن كتبنا عليهم أن يبتغوا رضوان الله "فابتغوا ذلك عن طريق الرهبانية

[1] سورة البقرة: 74.
[2] سورة البقرة: 87.
[3] سورة الحديد: 27.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 59
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست