فلو كان ابن عامر يقرأ وفق القاعدة النحوية لقرأ الآيتين بالرفع، ولكنه قرأ بالرواية التى تلقاها هو بالتواتر عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرة بالنصب، ومرة بالرفع، مع أن تركيب الآية واحد فى الموضعين.
ومثال ثان: الإمالة ظاهرة صوتية، وهى "ان تنحيى بالألف نحو الياء، فيلزم أن تنحى بالفتحة قبلها نحو الكسرة"، وهى لغة بعض القبائل العربية، وقد قرأ بها بعض القراء، والتزموها حيث وجدت دواعيها فى القرآن الكريم، لكن حفصاً الذى يقرأ بقراءته، كثير من المسلمين الآن بروايته عن عاصم، لم يقرأ بالإمالة إلا فى موضع واحد من الذكر الحكيم وهو قوله تعالى {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [1] .
وهكذا يختلف القراء ويتفقون بحسب الرواية والتلقى، وليس بحسب رسم المصحف أو الوجه النحوى أو اللغوى، صحيح أن هذين فى الاعتبار، ولكن بعد ثبوت الرواية بالتواتر، والسند الصحيح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموافقة الرسم العثمانى، وأن يكون للقراءة وجه صحيح من العربية.
فإذا سمعت قراءة مسندة لواحد من القراء السبعة أو العشرة؛ كأن يقال: قراءة نافع أو عاصم أو الكسائى، فلا تظن أنها من اختراعه أو ابتداعه، ولكنها اختياره الذى ارتضاه من طريق الرواية المسندة الصحيحة.
ولذلك أثر عن أبى عمرو بن العلاء وهو أحد القراء السبعة قوله "لولا أنه ليس لى أن أقرأ إلا بما قرئ به لقرأت كذا وكذا. وذكر حروفاً". [1] جزء من الآية 41 من سورة هود.