ثانياً: لو كان خلو المصاحف من الشكل والإعجام سبباً فى تنوع القراءات واختلافها، لكان القارئ الذى يقرأ الكلمة وفق رسم معين، يلتزمه فى أمثاله ونظائره حيث وقع فى القرآن الكريم، ولم يحدث هذا، وإليك مثالاً واحداً.
قوله تعالى فى فاتحة الكتاب {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [1] وقوله سبحانه {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [2] وقوله تعالى فى سورة الناس {مَلِكِ النَّاسِ} [3] . فلو تأملت المواضع الثلاثة فى المصحف لوجدت الكلمة فيها كلها هكذا "ملك" بالميم واللام والكاف فقط، ولكن حفصاً يقرأ عن عاصم، فى الفاتحة "مالك" بالألف بعد الميم، وكذلك يقرأ آية آل عمران، أما فى سورة الناس فيقرأ "ملك" من دون الألف كان حفص يقرأ وفق رسم المصحف لقرأ فى المواضع الثلاثة "ملك"، ولكنه يقرأ بالرواية المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [4] .
وكذلك قد تختلف القراءات أحياناً لغة ونحواً، وهكذا يبدو للناس فى ظاهر الأمر، ولكن الاختلاف فى الحقيقة راجع إلى التلقى والرواية، لا إلى القاعدة اللغوية أو النحوية. وهذا مثال واحد: قال الله تعالى: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} .جاءت هذه الآية فى موضعين [5] ويقرأ القراء جميعاً "كلاً" بالنصب فى الآيتين، لكن ابن عامر يقرأ آية النساء بالنصب؛ كسائر القراء، أما آية الحديد فيقرأها وحده"وكل"بالرفع، وللنحويين فى توجيه الرفع والنصب كلام. [1] الآية 4 من سورة الفاتحة. [2] الآية 26 من سورة آل عمران. [3] الآية 2 من سورة الناس. [4] انظر: القراءات فى نظر المستشرقين والملحدين لفضيلة الشيخ عبد الفتاح القاضى ص49-53. [5] جزء من الآية 95 من سورة النساء، وجزء من الآية 10 من سورة الحديد.