ومن منطلق هذه الحرية الدينية التي يضمنها الإسلام، كان إعطاء الخليفة الثاني عمر بن الخطاب للمسيحيين من سكان القدس الأمان ((لأنفسهم وأموالهم وصلبانهم.. لا تهدم، ولا ينتقص منها ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم.)) . (1)
ومع تقرير الإسلام الحرية المطلقة في اختيار العقيدة، إلا أن تلك الحرية تقف عندما تبدأ حرية الغير وحقوقه.
فكل فرد حر في أن يعتقد ما يشاء، وأن يتبني لنفسه من الأفكار ما يريد، حتى ولو كان ما يعتقده أفكاراً إلحادية، فلا يستطيع أحد أن يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ بهذه الأفكار لنفسه، ولا يؤذي بها أحد من الناس.
أما إذا حاول نشر هذه الأفكار التي تتناقض مع معتقدات الدين الإسلام، وتتعارض مع قيم الناس التي يدينون لها بالولاء، فإنه بذلك يكون قد اعتدي على حقوق هذا الدين وحقوق معتنقيه.
ومعروف أن الإسلام عقيدة وشريعة، دنيا وآخره، وبتعبير عصرنا دين ودولة.
فقتل المرتد عن دين الإسلام حينئذ ليس لأنه ارتد فقط؛ ولكن لإثارته الفتنة والبلبلة، وتعكير النظام العام في الدولة الإسلامية! .
أما إذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر ذلك بين الناس، ويثير الشكوك في نفوسهم فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء، فالله وحده هو المطلع على ما تخفي الصدور. (2)
ولن تخسر الأمة بارتداده شئ بل هو الذي سيخسر دنياه وآخرته قال تعالى: {ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.} . (3)
(1) ينظر: نص عهد الأمان كاملاً في تاريخ الرسل والملوك لابن جرير الطبري 3/609، وينظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير 2/500،501.
(2) الإسلام في مواجهة حملات التشكيك للدكتور محمود حمدي زقزوق صـ 128، 130 بتصرف.
(3) الآية 217 البقرة.