وتقتضي دعواه عدم موتهم، تحريم تقسيم أموالهم، على الورثة، وعدم تزوج نسائهم؛ لأنهم أحياء على زعمه، والمسلمون متفقون الوهابية وخلافهم على تقسيم أموالهم، وتزويج نسائهم كسائر الأموات) [1]. وأما دعوى المجوزين الاستغاثة بالأموات، بحجة أن الفاعل هو الله وحده والعبد لا فعل له، فيرد القصيمي تلك الحجة فيقول:
(قولك إن العبد ليس فاعلا، إما أن يكون دل عليه العقل، أو القرآن أو الحديث، أو الإجماع، أو المشاهدة، أو الضرورة، أو شيء غيرها، ولا شيء، أما العقل فإنه لا يفهم أن العبد ليس فاعلا وأنه كالريشة تقلبها الريح أنى شاءت، بل العقل يعلم أنه لا يحسن عقاب العبد، ولا ثوابه. ولا أمره، ولا نهيه، إلا إذا كان فاعلا قادرا على الفعل والترك، ولهذا لا يلوم الحجر الهاوي من أعلى إلى أسفل إذا ضر، ولا يشكره إذا نفع ...
وأما القرآن فمن أوله إلى آخره ينادي بهدم هذه المقالة، منها قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [2] وأما الحديث: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له "[3] وأما الإجماع فالسلف قاطبة يرون العبد فاعلا حقيقة لا يشذ منهم واحد. وهذا مذكور في كتاب "خلق أفعال العباد" للبخاري، وغيره[4].
وعقب إيراد ما سطره بعض أئمة الدعوة السلفية وأنصارها في مسألة دعاء الموتى، اتضح جليا عظم شأن الدعاء، وأنه من آكد العبادات وأهمها وأعلاها قدرا، وأن الدعاء عبادة يجب أن لا تصرف إلا لله وحده. فمن خالف ذلك، ودعا الأموات والغائبين فقد صرف هذه العبادة العظيمة إلى غير مستحقها، فوقع في الشرك الأكبر المخرج عن دين الإسلام، وإن كان يعتقد أثناء دعائه للموتى، أن الله هو الخالق المؤثر وبيده- سبحانه- النفع والضر، فإن هذا لن ينفعه كما لم ينفع مشركي العرب ممن قاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم لكن وهم يعترفون ويقرون بما يقر به طالبوا الحاجات من الموتى، من إقرار بتوحيد الربوبية. كما ظهر في ثنايا هذا الفصل الجواب والرد على دعواهم بعدم التفرقة بين
1 "تدمير أباطيل محمد بن أحمد نور"، ص 74، بتصرف يسير. [2] سورة النساء آية: 79. [3] صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن (4949) , وصحيح مسلم: كتاب القدر (2647) , وسنن الترمذي: كتاب القدر (2136) , وسنن ابن ماجه: كتاب المقدمة (78) , ومسند أحمد (1/82 ,1/157 ,3/304 ,4/67 ,4/431) .
4 "البروق النجدية"، ص 82 باختصار.