ويستنكر الشيخ أبو بطين دعوى التفريق بين الدعاء والنداء، ثم يبطلها، فيقول رحمه الله:
(ومن العجب قول بعض من ينسب إلى علم ودين، أن طلبهم من المقبورين والغائبين ليس دعاء لهم بل هو نداء، أفلا يستحي هذا القائل من الله إذا لم يستح من الناس من هذه الدعوى الفاسدة السمجة التي يروج بها على رعاع الناس. والله سبحانه وتعالى قد سمى الدعاء نداء، كما في قوله: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} [1] وقوله تعالى: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [2] وأي فرق بين ما إذا سأل العبد ربه حاجة، وبين ما إذا طلبها من غيره ميت أو غائب، بأن الأول يسمى دعاء والثاني نداء؟ وما أسمج هذا القول وأقبحه.. وهو قول يستحي من حكايته لولا أنه يروج على الجهال) [3].
ويقول الشيخ محمد بن ناصر التهامي مبينا تحريم دعاء غير الله:
(فإذا رددنا ما تنازعنا فيه، وقلنا بتحريم دعوة غير الله والاستغاثة به.. وجدنا القرآن ينادي بالنهي عن دعوة غير الله ويختمها بالوعيد الشديد لمن فعل ذلك، ولو لم يحتج على صاحب الرسالة إلا بآية واحدة، لانقطعت حجته، ووهت شبهته، والسنة كذلك تنادي في النهي عن أن يدعى مع الله غيره، كما في "الصحيح" عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار " [4] ومسمى الدعاء هو السؤال والطلب لغة وشرعا، والند هو الشبه والمثل. فمن استغاث بغير الله من ميت أو غائب، أو دعاه فقد شبهه بالله الذي يصمد إليه كل مخلوق في كل ما يحتاجون إليه في دنياهم وأخراهم) [5].
كما أن القول بتحريم دعاء غير الله واعتباره من الشرك الأكبر المخرج من الملة ليس مما انفرد واختص به الشيخ ابن عبد الوهاب، بل جمهور أهل العلم على ذلك.. فيقول الحازمي مدافعا عن الشيخ الإمام:
(إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- ليس أول من فتح هذا الباب، بل ما ذكره هو ما عليه جمهور العلماء.. فهو يقول لا يدعى في الممات إلا الله [1] سورة مريم آية: 3. [2] سورة الأنبياء آية: 87.
3 "الانتصار"، ص25. [4] صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن (4497) , ومسند أحمد (1/374) .
5 "إيقاظ الوسنان" ق26 باختصار.