(فحياتهم برزخية الله أعلم بحقيقتها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد مات بنص القرآن والسنة، ومن شك في موته فهو كافر، وكثير من الناس خصوصا في هذه الأزمنة، يدعون أنه صلى الله عليه وسلم حي كحياته لما كان على وجه الأرض بين أصحابه، وهذا غلط عظيم، فإن الله سبحانه أخبر بأنه ميت، وهل جاء أثر صحيح أنه باعثه لنا في قبره مثل حياته على وجه الأرض يسأله أصحابه عما أشكل عليهم، ومعلوم ما صار بعده صلى الله عليه وسلم من الاختلاف العظيم، ولم يجيء أحد إلى قبره صلى الله عليه وسلم يسأل عما اختلفوا فيه، وفي الحديث المشهور " ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام "[1] 2 فهذا يدل على أن روحه صلى الله عليه وسلم ليست دائمة في قبره) [3].
ويشير الشيخ أبو بطين إلى كثرة وقوع الاستغاثة بالنبي عند المتأخرين، وما كتبه ابن تيمية في ذلك، فيقول أبو بطين رحمه الله:
(والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم صدرت من كثير من المتأخرين ممن يشار إليهم بالعلم، وقد صنف رجل يقال له ابن البكري كتابا في الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ورد عليه الشيخ ابن تيمية، بين فيه بطلان ما ذهب إليه وبين أنه من الشرك. قال الشيخ رحمه الله:
(وقد طاف هذا- يعنى ابن البكري- على علماء مصر، فلم يوافقه منهم أحد، وطاف عليهم بجوابي الذي كتبته، وطلب منهم معارضته، فلم يعارضه أحد منهم، مع أن عند بعضهم من التعصب ما لا يخفى..) [4].
ويرد الشيخ أبو بطين على افتراء داود، حين زعم الإجماع على مشروعية الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم فقال رحمه الله:
(ثم زعم أن الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم في الشدائد أمر مشهور معمول به عند الصحابة والتابعين، فنسب إلى خير القرون ما هم أبعد الناس عنه، ويكفي في إبطال الشبهة كلها قول الله تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ} [5] وقوله سبحانه: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً} [6] وهذا في حال حياته صلى الله عليه وسلم فكيف الحال بعد الممات) [7]. [1] سنن أبي داود: كتاب المناسك (2041) , ومسند أحمد (2/527) .
(رواه أحمد، وأبو داود، وغيرهما. وقال عنه ابن تيمية: إسناده جيد، وصححه ابن القيم في "جلاء الإفهام") . عن كتاب "النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد" ص121 باختصار.
3 "مجموعة الرسائل والمسائل" 2/128 باختصار.
4 "مجموعة الرسائل والمسائل" 2/242 باختصار. [5] سورة الأعراف آية: 188. [6] سورة الجن آية: 21.
7 "تأسيس التقديس"، ص 114.