(وأما عدم كون التوسل بالميت إلى الله شركا، فلأنه نظير التوسل بالحي وسؤاله قضاء الحوائج بواسطة دعائه من الله تعالى، فكما أنه ليس من الشرك، كذلك التوسل بالميت، فيجعل أحد التوسلين كالآخر، بجامع السؤال من المخلوق، إذ لا وجه لتوهم كونه شركا، إلا كونه دعاء لغير الله تعالى، فإذا جاز بالنسبة إلى الأحياء جاز مطلقا.. وذلك لوقوع نداء المخلوق والدعاء، والالتماس له في الكتاب لقوله سبحانه {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [1] وسؤال قوم موسى منه الاستسقاء، وقال سبحانه حكاية عن يوسف {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [2] فلو جازت هذه الأسئلة ولم تكن شركا، جاز سؤال الأنبياء والأولياء عند الوقوف على قبورهم، أو من مكان بعيد إجابة للمضطر) [3].
ويدعي الطباطبائي عدم التفريق بين الحي وبين الميت؛ لأن للميت من الإدراك والشعور مثل ما له حال الحياة، بل يدعي أن الميت يزيد على الحي في الإدراك، وأن الكتاب، والسنة والإجماع قد دل على ذلك[4].
ويزعم الطباطبائي أن الأنبياء قد استعانوا بغير الله، فيقول: (فالأنبياء مع أنهم معصومون، استعانوا بغير الله تعالى، حتى نزل في حق محمد صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [5] فكيف تنكر الوهابية جواز الاستمداد بالمخلوق) [6].
ويذكر الطباطبائي مقالة الوهابيين في شأن دعاء غير الله، ثم يردها.. فيقول: (وثالثها قول الوهابية: أن الدعاء مخ العبادة، والعبادة لا تجوز لغير الله تعالى، لأنها شرك.
والجواب عنه: المنع عن أن مطلق الدعاء عبادة فضلا عن أين يكون روح العبادة، وإنما الدعاء من الدعوة، ومنها قوله تعالى: {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا} [7] - وذكر الطباطبائي آيات أخرى، إلى أن قال-: فإن المراد من الدعاء فيها النداء، وليس كل [1] سورة القصص آية: 15. [2] سورة يوسف آية: 42.
3 "البراهين الجلية"، ص27، باختصار.
4 "البراهين الجلية"، ص 24-27. [5] سورة الأنفال آية: 64.
6 "البراهين الجلية"، ص 33-34. [7] سورة آل عمران آية: 61.