ما يشركون) [1].
ومع أهمية هذه العبادة، ووجوب صرفها لله وحده، وإخلاص الدعاء له سبحانه في السراء والضراء، حيث أن تجريد الدعاء لله وحده إيمان وتوحيد، ودعاء غيره- مهما كان- كفر وإشراك، ومع كل ذلك، فإن الكثير قد اتخذوا من الموتى ملجأ وملاذا يلوذون بهم، فيسألونهم تفريج الكربات، وقضاء الحاجات، وربما زادوا على تلك فسألوهم دخول الجنان، والنجاة من النيران. ولم يقفوا عند هذا الحد، بل تجاوزوا ذلك، فأنكروا على من أخلص الدعاء لله وحده، واعترضوا عليه وخالفوه، كما فعل أولئك الخصوم مع أتباع هذه الدعوة السلفية.
ومما يجدر ذكره أن الخصوم قد يعترضون على الشيخ الإمام في إنكاره دعاء الموتى والاستغاثة بهم، ولكن لا يسمونه دعاء، فقد يسمونه توسلا- أحيانا- وربما أطلقوا عليه استمدادا، وربما جعلوه تشفعا، وربما زينوا دعاء الموتى وصيروه نداء لا دعاء، وكل ذلك يفعله أولئك الخصوم لكي يزينوا للعوام ذلك الشرك بأسماء لا ينفرون منها ...
وقصدهم ومرادهم من تلك الأسماء هو سؤال الموتى، وطلب الحاجات منهم، وطلب حصول الغوث منهم، وسؤال المدد، وشفاء المرض وغيره من الأمور التي لا تسأل ولا تطلب إلا من الله وحده.
ويورد الخصوم اعتراضهم على إنكار دعاء الموتى، فيستغربون ويستنكرون المنع من سؤال الموتى، والاستغاثة بهم، ثم يوردون ما عندهم من الاستدلالات في إثبات وتجويز دعاء الأموات، فيدعون أن سؤال الموتى ودعاءهم جائز، كما جاز سؤال الأحياء وطلب عونهم، ووجه المساواة بين الموتى والأحياء هو أن الأموات كالأحياء في الحياة، فلهم حياة برزخية يدركون فيها ويشعرون، ويتصرفون كالأحياء، وأيضا فالأموات مثل الأحياء في السؤال وطلب الحاجات؛ لأن من سأل ودعا ميتا معتقدا أن الله هو المؤثر والفاعل، فهذا جائز، مثل سؤال الأحياء، فلا فرق بين الأحياء والأموات؛ لأن الفاعل حقيقة هو الله، ويدعي أولئك الخصوم أن سؤال الموتى ليس دعاء لهم، بل هو نداء كنداء الغائب، وليس كل نداء دعاء، فيجوز نداء الموتى ما دام أن الذي يناديهم لا يعتقد التأثير لهم، بل يجعل الله هو المؤثر وحده.
1 "تيسير العزيز الحميد" ص219، باختصار يسير.