ثم قال: فانظر إلى كلامه ولاسيما قوله: وإن بعضهم استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاء فقضى حاجته، فإنه تسليم منه بأن هذا الأمر يقع على وجه الكرامة، ويستدل به على ولاية صاحبه، لكن بشرط أن يكون المستغاث به متابعا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقا له ولنهيه، قال العراقي: فحينئذ تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ومن بعدهم من أولياء يجوز أن يعتقد فيهم الدلالة بسبب الاستغاثة بهم سواء كانوا غائبين أو ميتين، وأن هذا يقع على وجه الكرامة، وأن كرامات الأولياء يجب اعتقادها كما ذكره الشيخ في "التحفة العراقية"..، ومعلوم أن الكرامة لا تنشأ عن فعل محرم فلو كانت الاستغاثة محرمة لما عدها الشيخ وغيره كرامة، بل حينئذ تكون استدراجا ... ) [1].
ويورد العراقي نقولا لابن القيم يحتج بها لضلاله، منها ما كتبه ابن القيم- رحمه الله- في كتابه "الكبائر"[2] حيث ذكر حكاية خلاصتها: أن أحد الرافضة رفض أن يبيع دقيقا على رجل من أهل السنة، حتى يلعن الصديق والفاروق- رضي الله عنهما-، وراجعه الرافضي مرات، حتى قال السني: لعن الله من يلعنهما، فلطم الرافضي عينه حتى سالت على خده، فانطلق هذا السني مع صاحب له إلى الحجرة النبوية في المسجد النبوي، وقال: السلام عليك يا رسول الله، قد جئناك مظلومين فخذ بثأرنا. فما جاء صباح الغد إلا وعينه صحيحة. ثم قال العراقي: فانظر إلى نقل هذه الحكاية من مثل ابن القيم، ذكرها في مقام الافتخار، والزجر عن الرفض. يدل على أن الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا بأس بها، وأنها غير منكورة ... ) [3].
وقد ذكر الآلوسي في كتابه "فتح المنان" نقولا أخرى لداود، منها ما ذكره ابن تيمية في "الكلم الطيب" وابن القيم في "الوابل الصيب" عن ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم- أن الإنسان إذا خدرت رجله، فليناد: يا محمد. فإن الخدر يذهب عنه، ثم قال داود: (وهذا ذكره في مقام تعليم المسلم الأذكار، فلو كان نداء الغائب شركا لكان الشيخان وغيرهما بل وأصحابه صلى الله عليه وسلم يعلمان الناس الشرك والعياذ بالله ... ) [4]. [1] نقلا عن: "منهاج التأسيس" 157 ص. [2] يقول د. بكر أبو زيد - عن هذا الكتاب -: (ذكره ابن رجب، والداودي، وابن العماد، والبغدادي، وأحمد عبيد، وابن النحاس) انظر: كتابه "التقريب لفقه ابن القيم"، القسم الأول ص236.
3 "منهاج التأسيس"ص179 باختصار.
4 "فتح المنان تتمة منهاج التأسيس" ص375.