ويبين تحقق الشرك وحصوله في النذر لغير الله.. يقول صاحب "التوضيح": (والنذر غير الجائز قسمان:
أحدهما: نذر فعل معصية كشرب الخمر، وقتل معصوم، وصوم يوم عيد فيحرم الوفاء به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يعصي الله فلا يعصه " [1] ولأن معصية الله تبارك وتعالى لا تباح في حال من الأحوال ... الثاني: النذر لغير الله كالنذر لإبراهيم الخليل أو محمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أو ابن عباس، أو عبد القادر، أو الخضر.. فلا خلاف بين من يعتد به من علماء المسلمين أنه من الشرك الاعتقادي، لأن الناذر لم ينذر هذا النذر الذي لغير الله إلا لاعتقاده في المنذور له أنه يضر وينفع ويعطي ويمنع إما بطبعه، وإما بقوة سببية فيه، ويجلب الخير والبركة، ويدفع الشر والعسرة، والدليل على اعتقاد هؤلاء الناذرين وشركهم حكيهم وقولهم إنهم قد وقعوا في شدائد عظيمة، فنذروا نذرا لفلان وفلان أصحاب القبور من الأنبياء والمشايخ، وللغار الفلاني، والشجرة الفلانية فانكشفت شدائدهم، واستراحت خواطرهم، فقد قام في نفوسهم أن هذه النذور هي السبب في حصول مطلوبهم ودفع مرهوبهم، ومن تأمل القرآن وسنة المبعوث به صلى الله عليه وسلم ونظر أحوال السلف الصالح علم أن هذا النذر نظير ما جعلته المشركون لآلهتهم في قوله تعالى: {هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} [2][3].
ويرد الشيخ عبد الله أبو بطين شبهة القبوريين حين ظنوا أن دعاءهم الأموات مجاز، وأن الله عزوجل هو المسؤول حقيقة، فيقول:
(وأما قول القائل إن دعاء الأموات وسؤالهم قضاء الحاجات مجاز، والله سبحانه هو المسؤول حقيقة، فهذا حقيقة قول المشركين {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [4] {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [5] فهم يسألون الوسائط زاعمين أنهم يشفعون لهم عند الله في قضاء حوائجهم، قال شيخ الإسلام تقي الدين رحمه الله: فمن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم كفر إجماعا) [6]. [1] سنن الترمذي: كتاب النذور والأيمان (1526) , وسنن النسائي: كتاب الأيمان والنذور (3806 ,3807 ,3808) , وسنن أبي داود: كتاب الأيمان والنذور (3289) , وسنن ابن ماجه: كتاب الكفارات (2126) , ومسند أحمد (6/208) , وموطأ مالك: كتاب النذور والأيمان (1031) , وسنن الدارمي: كتاب النذور والأيمان (2338) . [2] سورة الأنعام آية: 136. [3] "التوضيح عن توحيد الخلاق" ص382،383 باختصار. [4] سورة يونس آية: 18. [5] سورة الزمر آية: 3. [6] "الدرر السنية" 8/237.