هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت.. ونحوها من صفات الربوبية، فهو الموحد، وتصوروا -جهلا وتقليدا- أن معنى شهادة لا إله إلا الله هو إثبات أن الله هو الخالق والقادر على الاختراع، وجهلوا -أو تجاهلوا- أن معنى "الإله" بإجماع أهل اللغة وعلماء التفسير والفقهاء هو المعبود، فيكون المراد بكلمة الشهادة: لا معبود بحق إلا الله، أي صرف جميع أنواع العبادات لله وحده، وإثباتها له وحده -سبحانه، ونفيها عما سواه عز وجل [1].
وكأن هؤلاء الأدعياء لا يعلمون أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد قاتل مشركي العرب مع إقرارهم بتوحيد الربوبية؛ لأنهم قد أنكروا توحيد العبادة ولم يعترفوا، ولم يقروا بأن الله وحده هو المستحق للعبادة بجميع أنواعها فلا تصرف لمعبوداتهم من الأحجار والأوثان والطواغيت.
ومما يدل على أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مقرين بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر.. ونحوها من أفعال الرب سبحانه، ولم يدخلهم ذلك في دين الإسلام قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [2].
وهذا التوحيد الذي أقر به مشركوا العرب ولم يدخلهم في الإسلام هو الغاية عند هؤلاء الخصوم.
وسنورد نماذج من أقوالهم من كتبهم توضح ما ذكرناه آنفا وتبين أن توحيد الربوبية هو مقصودهم، وأن مخالفة ومناقضة هذا التوحيد هي الكفر فقط، ولو وقع أحدهم في بعض أنواع المكفرات المخرجة عن دين الإسلام، كمن ذبح لغير الله أو نذر لغير الله، أو استغاث ودعا المخلوقين فيما لا يقدر عليه إلا الله، فإنه لا يعتبر بفعلها مرتدا، ما دام أنه يعتقد أن المؤثر في هذا الكون هو الله وحده ...
ثم نورد نماذج أخرى من أقوالهم في تجويز تلك المكفرات، أو جعلها معاصي دون الكفر المخرج عن الملة، مثل الذبح لغير الله والنذر لغير الله والدعاء والاستغاثة بغير الله، وإنكارهم على أئمة الدعوة خلاف ذلك. وعقب ذلك، نذكر الرد والبيان من كلام الأئمة الأعلام أتباع هذه الدعوة السلفية على تلك الدعاوى. [1] انظر: بيان ذلك في "مجموعة التوحيد النجدية"، المطبعة السلفية، القاهرة، 1375هـ، ص396، 398. [2] سورة يونس آية: 31.