ويقول القصيمي في كتابه "الثورة الوهابية" أثناء حديثه عن معتقد الشيخ محمد ابن عبد الوهاب: (إيمانه بما تواترت عليه الكتب المقدسة، ولا سيما القرآن من أن الله سبحانه وتعالى مستو على العرش استواء يليق به لا كما يستوي المخلوق ... وقد نازعه مخالفوه قائلين إن ذلك يقتضي التجسيم وتشبيه الله بخلقه، فرد عليهم قائلا: إن جميع الكتب السماوية مصرحة بذلك تصريحاً لا يقبل الجدل. والله أعلم حيث يصف نفسه، وأعلم بما يجوز في حقه، وما لا يجوز، وقائلا: إن المسلمين قائلون بذلك قبل ظهور هؤلاء المخالفين بلا نزاع بينهم ... ) [1].
وأخيراً ندرك من خلال النصوص السابقة طريق النجاة الذي سلكه أئمة هذه الدعوة السلفية، تأسيا واقتداء بالرعيل الأول، من وصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزون القرآن والحديث في ذلك.
ونلاحظ -كما سيأتي- أن مزاعم خصوم هذه الدعوة السلفية التي تكذب على إمام هذه الدعوة الإصلاحية الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتبهته بأنه مجسم ومشبه في الصفات، نلاحظ أن من مبررات الخصوم في القذف بهذا البهتان هو أن الشيخ رحمه الله وكذا أتباعه من بعده يثبتون جميع الصفات التي وردت في الكتاب والسنة، ويمرونها -كما جاءت- على ظاهرها دون تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، ويفوضون العلم بالكيفية إلى الله سبحانه وتعالى.
فجعل الخصوم هذا الإثبات مبرراً في رمي الشيخ بالتشبيه والتجسيم، لذا يأتي مع هذه الفرية غالباً بيان لبعض الصفات التي يثبتها الشيخ لله عز وجل- وهو كما تقدم لا يصف الله إلا بما وصف به نفسه في كتابه أو وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم ... مثل صفة الاستواء، والعلو، والنزول، ونحوها، ويسوق الخصوم هذا الإثبات زعماً منهم أنه تجسيم وتشبيه، ولا يكتفون بذلك، بل يختلقون زيادة في الإفك والبهتان، فيزعمون أن الشيخ يثبت لله الجلوس والجنب واللسان، بل يكذبون عليه- أشنع من قبل-، ويبهتونه بأنه يقول إن الله جسم كالحيوان.. تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا.
ومن أوائل الذين ذكروا هذه الفرية، أحد علماء الزيدية حين كتب رسالة يرد على رسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، فقال هذا الزيدي مخاطباً الشيخ عبد الله:
(وأنت أيضاً قد ناقضت كلامك بكلامك، حيث قلت: وذلك مثل وصف نفسه تبارك وتعالى بأنه فوق السماوات مستو على عرشه، فقد فسرت كتاب الله وأثبت لله
1 "الثورة الوهابية" ط1، مطبعة الرحمانية مصر، 1354هـ، ص12.