ثم تأتي الخاتمة التي هي بمثابة الغاية التي توخاها الخليفة من خطبته، وتتركز في أن ينظر كل إنسان إلى ذنوبه فيستغفر ربه ويتعظ بما حوله فلا يقع في معصية بعدها[1].
وإذا دققت النظر في خصائص أسلوب هذه الخطبة وجدت فيه مصداق تعريف الخطبة بأنها مخاطبة الجمهور، فالخطيب يتوجيه إلى الجمهور وبالحديث من أولها إلى نهايتها، ثم هو يختار ألفاظا مألوفة واضحة قوية الدلالة على معناها ذات إيقاع نابع من الإحساس العاطفي، وتحس جمال هذا الإيقاع وقوته في التأثير من نظمه هذه الألفاظ في عبارات قصيرة متوازنة ويعتمد الأسلوب في جمال إيقاعه وفي دقته البلاغية على التقديم والتأخير أحيانا كما في قوله: "إن لكم معادا"، و"سيخلفكم من بعدكم الباقون". أو على الترادف المعنوي حينا آخر كما في قوله: "لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى"، و"فخاب وخسر"، و"باع قليلا بكثير وفانيا بباقٍ"، و"قد قضى نحبه وبلغ أجله"، أو على السجع المعنوي غير المتكلف في مثل قوله: "غير موسد ولا ممهد". مجردا من كل شيء في دنياه.
وتظهر شخصية الخطيب واضحة قوية في خطبته وقد تآلفت كل هذه العناصر الأسلوبية في وجدانه بعمق إيمانه بموضوعه وإحساسه به، فاستطاع أن ينفذ إلى أسماع جمهوره وقلوبهم -وخاصة أنه لم يجرد نفسه من الذنوب التي يصم بها- وأن يتغلغل إلى عقولهم بكفره المرتب المعتمد على التجارب والمشاهد الحسية المشتركة فبلغ بذلك غاية من التأثير والإقناع. [1] تاريخ الطبري جـ6 ص571.