نام کتاب : مجلة مجمع الفقه الإسلامي نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 4 صفحه : 1353
ذلك بأن نتائج أي اجتهاد لا يمكن أن تكون قطعية وغاية أمرها - مهما وضحت أدلتها وتضافرت على تركيزها وتركينها القرائن والشواهد والقواعد - أن تكون راجحة رجحًا قد يتراءى شبيهًا بالتأكد بيد أنه - رغم ذلك - ليس له أن يتجاوز درجة الرجحان إنها حصيلة جهد البشر غير المعصوم ومصدرها خبرة المجتهد بالأمر الذي يجتهد فيه طبيعة وظروفًا ومآلًا، وبصره بصرًا عميقًا شاملًا بمصادر الاعتبار الشرعي في الحكم في ذلك الأمر نصوصًا محكمة أو مفاهيم أو آثارًا أو أقيسة أو ما إليها كالاستصحاب والاستحسان والمصالح المرسلة.
ولا سبيل في الاجتهاد إلى الاكتفاء بأحد العنصرين، عنصر الخبرة وعنصر البصر الشرعي أو "الفقه"، إذ أن عنصر الخبرة وحده قد يجلو ويشخص المصادر والموارد والمنافع والمفاسد كما تتراءى للعقل البشري، والعقل البشري مهما حاول أن يتجرد للعدل الصرف ويتنزه عن الهوى ويأتي له الخلوص إلى الرشد الحق إلا أن يستهدي بأنوار الوحي لأن قدرته على التنزه محدودة وبصره بحقائق العدل والحق محدود أيضًا فلا مناص له من الاستعانة بهدي الوحي أي بالشرائع المتنزلة لفظًا أو إلهامًا (الكتاب والسنة) وبما سبق السلف إلى استنباطه منها موضوعًا أو منهجًا.
إذ إن استنباط السلف - عليهم رحمة الله - صحابة كانوا أو تابعين قد يكون غير قابل للتأثر "بالظرفية" لأنه متصل بما لا يؤثر فيه تغاير الأزمنة والبيئات وجل ما يكون هذا النوع في العبادات غير المعقولة المعنى وفيما يتصل بشعارها خاصة وقد يكون قابلًا للتأثر "بالظرفية" إذا كان يتصل بالعادات والمعاملات والجوانب الخاضعة لمؤثرات التطور والتغير البيئوي والزمني أو ما نسميه بالتطور الحضاري من حياة البشر. وهذا النوع من الاستنباط - فهمًا كان أو اجتهادًا - لا سبيل إلى الالتزام به موضوعًا إذا تغاير مع ظروف زمنية أو بيئوية كما أنه لا سبيل إلى إغفاله منهجًا وإن تعذر أو استحال الالتزام به موضوعًا.
فالحياة المادية البشرية في هذا العصر تكاد لا تتشابه في معظم عاداتها وأدواتها وممارساتها مع حياة السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن ظهرت الثورة البخارية في الصناعة ثم الثورات الأخرى المتفرعة عنها، والتي لا يزال
تفرعها مطردًا.
نام کتاب : مجلة مجمع الفقه الإسلامي نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 4 صفحه : 1353