responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مجلة مجمع الفقه الإسلامي نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 4  صفحه : 1316
ومثل ما فعله في عام الرمادة إحجامه عن قطع أيدي أعبد لحاطب بن أبي بلتعة - وتقدم إسناد خبره - تقديرًا للظرف الذي دفعهم إلى الاعتداء على مال الغير على أن في هذه الحادثة حكما آخر رسخ قاعدة كنا عرضنا إذ وقفنا عند قوله سبحانه وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [1] وهي قاعدة تسليط العقوبة المالية في بعض الحالات التي تقتضى العقاب , ذلك بأن عمر غرم حاطبا قيمة الجمل الذي نحره أعبده مضاعفة , وهذا يعني أن للإمام أن يعاقب من ثبتت عليه جناية مالية أو لها علاقة بالمال , سواء اقترفها بنفسه أو كان السبب في اقترافها بأكثر مما أضاعت جنايته , وله تقدير هذا "الأكثر" حسب ما يراه اجتهاده رادعًا للجاني ومرضيا للمجني عليه وزاجرًا عن الجناية نفسها , ويتراءى لنا أن تغريم عمر حاطبا تلك الغرامة كان يريد به أن يشيع خبره في الناس , فيمتنعوا عن إجاعة من يعولونهم ويدركوا أن الغرامة على الجناية المالية لا تنحصر بالضرورة عن تعويض ما تلف بسببها , بل إن تقديرها يرجع إلى نظر الإمام وأدناه العوض المجرد. وبذلك يكون تغريم عمر لحاطب تطبيقًا لقاعدة المصلحة العامة وتصرف الإمام بمقتضاها لما توخاه من جعل حاطب عبرة لغيره من الناس، وربما من تشريع هذه القاعدة سنة يتبعها من قد يصير إليه بعده أمر الناس.
وموقف عمر من عيينة بن حصن وإقطاع أبي بكر له قد يراه البعض عجبًا , ومن يدري فقد يتخذه الرافض - أو لعلهم اتخذوه , فليس بين أيدينا ما نرجع إليه من مصادرهم - مغمزًا في عمر، إذ يرون فيه عصيانًا صريحًا وإهانة لا تحتمل لأبي بكر , وهو الخليفة يومئذ , فالنظرة الساذجة تعتبر تفل عمر على وثيقة إقطاع أبي بكر لعيينة ومحوه إياها بيده أكثر من مجرد استخفاف لولي الأمر الأعلى، على حين أنه في عمقه عمل جليل من عمر لا يقصد به مجرد إنكار أن يستمر العمل بمداراة (المؤلفة قلوبهم) , وقد أصبح الإسلام عزيزًا يتحدى كل من تسول له نفسه التمرد أو حتى مجرد الفتنة , وإنما يقصد به - وربما أساسًا - أن يضع قاعدة جليلة , هي أن تصرف الإمام نفسه إذا كان مخالفًا للمصلحة العامة يفقد جلاله ووقاره , ويصبح مجردًا من كل احترام؛ لأن المصلحة العامة فوق كل اعتبار.

[1] الآية رقم (103) سورة التوبة
نام کتاب : مجلة مجمع الفقه الإسلامي نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 4  صفحه : 1316
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست