responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة نویسنده : البوطي، محمد سعيد رمضان    جلد : 1  صفحه : 162
التصرفات، فمن ذلك نزوله عليه الصلاة والسلام في المكان الذي اختاره في هذه الغزوة. فقد وجدنا كيف أن الحباب أشار بالتحول عنه إلى غيره ووافقه عليه الصلاة والسلام في ذلك، وذلك بعد أن استوثق الحباب رضي الله عنه أن اختيار النّبي صلّى الله عليه وسلم لذلك المكان ليس بوحي من عند الله.
ومن ذلك كثير من تصرفاته التي تدخل تحت السياسة الشرعية والتي يتصرف فيها النّبي صلّى الله عليه وسلم من حيث إنه إمام ورئيس دولة لا من حيث إنه رسول يبلغ عن الله تعالى، مثل كثير من عطاءاته وتدابيره العسكرية. وللفقهاء تفصيل واسع في هذا البحث، لا مجال لعرضه في هذا المقام.
6- (أهمية التضرع لله وشدة الاستعانة به) : لقد رأينا أن النّبي صلّى الله عليه وسلم كان يطمئن أصحابه بأن النصر لهم، حتى إنه كان يشير إلى أماكن متفرقة في الأرض ويقول: «هذا مصرع فلان» ، ولقد وقع الأمر كما أخبر عليه الصلاة والسلام، فما تزحزح أحد في مقتله عن موضع يده كما ورد في الحديث الصحيح.
ومع ذلك فقد رأيناه يقف طوال ليلة الجمعة في العريش الذي أقيم له، يجأر إلى الله تعالى داعيا ومتضرعا، باسطا كفيه إلى السماء يناشد الله عزّ وجلّ أن يؤتيه نصره الذي وعد حتى سقط عنه رداؤه وأشفق عليه أبو بكر، والتزمه قائلا: «كفى يا رسول الله، إن الله منجز لك ما وعد» . فلماذا كل هذه الضراعة ما دام أنه مطمئن إلى درجة أنه قال: «لكأني أنظر إلى مصارع القوم» ، وأنه حدّد مصارع بعضهم على الأرض؟
والجواب؛ أن اطمئنان النّبي صلّى الله عليه وسلم وإيمانه بالنصر، إنما كان تصديقا منه للوعد الذي وعد الله به رسوله، ولا شك أن الله لا يخلف الميعاد، وربما أوحي إليه بخبر النصر في تلك الموقعة.
أما الاستغراق في التضرع والدعاء وبسط الكف إلى السماء، فتلك هي وظيفة العبودية التي خلق من أجلها الإنسان، وذلك هو ثمن النصر في كل حال.
فما النصر- مهما توفرت الوسائل والأسباب- إلا من عند الله وبتوفيقه، والله عزّ وجلّ لا يريد منّا إلا أن نكون عبيدا له بالطبع والاختيار، وما تقرّب متقرّب إلى الله بصفة أعظم من صفة العبودية، وما استأهل إنسان بواسطة من الوسائط استجابة دعاء من الله تعالى، كما استأهل ذلك بواسطة ذلّ العبودية يتزيّى ويتبرقع به بين يدي الله تعالى.
وما أنواع المصائب والمحن المختلفة التي تهدد الإنسان في هذه الحياة أو تنزل به، إلا أسباب وعوامل تنبهه لعبوديته، وتصرف آماله وفكره إلى عظمة الله سبحانه وتعالى وباهر قدرته، كي يفرّ إليه سبحانه وتعالى ويبسط أمامه ضعفه وعبوديته، ويستجير به من كل فتنة وبلاء، وإذا استيقظ الإنسان في حياته لهذه الحقيقة وانصبغ سلوكه بها، فقد وصل إلى الحدّ الذي أمر الله عباده جميعا أن يقفوا عنده وينتهوا إليه.

نام کتاب : فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة نویسنده : البوطي، محمد سعيد رمضان    جلد : 1  صفحه : 162
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست