بخلاف ما فهم العامة من أن الاتكاء منحصر في الميل إلى أحد شقيه أو الاستناد إلى ما رواءه وبهذا يجمع بين ما قاله المصنف ههنا وما ذكره في الإكمال من أن الخطابي خالف في هذا التأويل أكثر الناس وأنهم إنما حملوا الاتكاء على أنه الميل على أحد الجانبين ولذا أنكره عليه ابن الجوزي وقال المراد به المائل على جنبه والله سبحانه وتعالى أعلم. (وكذلك) أي ومثل كون أكله قليلا (نومه صلى الله تعالى عليه وسلم كان قليلا) أي ليصرف أوقاته النفيسة في طاعته وعاداته الأنيسة (شهدت بذلك الآثار الصّحيحة) أي والأخبار الصريحة التي أغنت شهرتها عن إيراد كثرتها، (ومع ذلك) أي مع كون نومه قليلا (فقد قال صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قلبي) كما رواه الشيخان فنومه كله يقظة ليعي الوحي إذا اوحي إليه في المنام إذ رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحي بدليل قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ (وكان نومه على جانبه الأيمن استظهارا) أي استعانة بذلك (عَلَى قِلَّةِ النَّوْمِ لِأَنَّهُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ أهنأ) بفتح نون فهمز أي ألذ وأشهى ويروى أهدأ أي أسكن واوفق (لهدوّ القلب) بالهمز ويسهل أي سكونه واطمئنانه (وما يتعلّق به) أي ولهدوء ما يتعلق به (من الأعضاء الباطنة حينئذ) أي حين إذ ينام على الأيسر (لميلها إلى الجانب الأيسر فيستدعي) جزاء شرط محذوف أي إذا كان النوم عليه أهنأ بسبب ما ذكرنا فيستدعي (ذلك الاستثقال فيه) أي الاستغراق في النوم ويروى الاستقلال ولعله بمعنى الاستبداد (والطّول) أي وطول مدته، (وَإِذَا نَامَ النَّائِمُ عَلَى الْأَيْمَنِ تَعَلَّقَ الْقَلْبُ وقلق) بفتح قاف وكسر لام أي لم يستقر ولم يطمئن (فأسرع) أي ذلك (الافاقة) أي من النوم وسهلت اليقظة (ولم يغمره) بضم الميم أي لم يستوعبه أو لم يعله ولم يغلبه (الاستغراق) أي في عالم النوم لوضع القلب مائلا طرفه الأسفل إلى الأيسر لتتوفر الحرارة عليه فيعتدل الجسم إذ الحرارة كلها مائلة إلى الأيمن لوضع الكبد فيه ثم هذا التعليل في بيان حكمه نومه على الجانب الأيمن دون الأيسر لا ينافي ما ثبت في الحديث الصحيح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يحب التيامن في أمره كله ولما في التيامن من اليمن لفظا ومعنى ولثناء الله سبحانه وتعالى على أهل اليمين وإعطاء كتبهم بإيمانهم ونحو ذلك.
فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]
(والضّرب الثّاني) أي مما تدعو ضرورة الحياة إليه فهو (ما يتّفق التّمدّح بكثرته والفخر بوفوره) أي الافتخار بزيادته مما حاز منه المصطفى الحظ الأوفى وفاز بالنصيب الأصفى (كالنّكاح والجاه) أي المحمودين. (أمّا النّكاح فمتّفق فيه) أي فمجمع عليه (شرعا) أي من جهة شرائع الأنبياء كافة (وعادة) أي للعقلاء والحكماء عامة (فإنّه) أي النكاح مع ذلك (دليل الكمال) أي في خلقة الرجال خصوصا مع قلة الأكل (وصحّة الذّكوريّة) بالرفع والجر كالتفسير لما قبله (ولم يزل التّفاخر بكثرته عادة معروفة) أي بحيث إن إنكاره مكابرة (والتّمادح به سيرة ماضيّة عادية) بتشديد الياء أي طريقة قديمة لا حادثة؛ (وأمّا في الشّرع) أي وأما