كان يرى من قومه ليقتدي بالرسل المتقدمين عن وقته حيث صبروا على ما كذبوا وأوذوا وقد قال الله تعالى فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (الآية) يعني فحاق بالذين سخروا منهم أي من المستهزئين وقيل من المرسلين ما كانوا به يستهزئون أي فأحاط بهم الذي كانوا به يستهزئون حيث هلكوا لأجله أو فنزل بهم جزاء استهزائهم قيل يجوز أن يكون ضمير به راجعا إلى الشرع وما ترتب عليه من الثواب وأن يكون راجعا إلى العذاب والله تعالى أعلم بالصواب وأما ما جوزه المنجاني من رجعه إلى القرآن فلا يناسبه المقام كما لا يخفى على أرباب المعاني والبيان (قال مكّي) سبق ذكره (سلّاه) أي الله تعالى (تعالى بما ذكر) أي من قوله وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ (وهوّن عليه ما يلقى) وفي رواية ما يلقاه (من المشركين) أي من فرط الإيذاء (وأعلمه أنّ) وفي نسخة أنه (من تمادى) أي أصر واستمر (على ذلك يحلّ به) بضم الحاء أي ينزل به ومنه قوله تعالى أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ وأما يحل بكسر الحاء فمعناه يجب لكن لا يناسب المقام وإن قرئ بهما قوله تعالى فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي (ما حلّ) أي شيء عظيم نزل أو الذي حل (بمن قبله) أي من اعداء الأنبياء (ومن هذا) أي الباب وفي نسخة وَمِثْلُ هَذِهِ التَّسْلِيَةِ (قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) أي قومك فلا يهولنك تكذيبهم لك (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [فاطر: 4] ) فكان الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم تأس بمن قبلك من الأنبياء فإن هذه الأنواع التي يعاملك بها قومك من التكذيب وغيره قد كانت موجودة في سائر الأمم قبلك مع أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام فلست منفردا بهذا وحدك وفيه إيماء إلى أن الليلة إذا عمت طابت فإن أجل ما يخفف عن الإنسان حزنه مشاركة غيره له فيه كما قالت الخنساء:
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم [1] لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن ... اعزي النفس مني بالتأسي
(ومن هذا) أي الباب أو القبيل (قوله تعالى: كَذلِكَ) أي مثل تكذيب قومك لك وقولهم افتراء عليك معلم مجنون (مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا) أي ما جاءهم رسول إلا قالوا في حقه هو (ساحِرٌ) أي خداع (أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات: 52] ) أي به جنون وأو للتنويع باعتبار قوم دون قوم أو وقت دون وقت ولا يبعد أن تكون للشك مشيرا إلى تحيرهم في أمره مع الإيماء إلى المناقضة بين أقوالهم فإن الساحر هو العالم وهو لا يكون إلا في كمال العقل والمجنون لا يكون إلا خاليا عنه (عزّاه الله تعالى) بتشديد الزاء أي حمله على الصبر وسلاه (بما أخبر به عن الأمم السّالفة) أي عن الجماعات السابقة (ومقالها) أي وأقاويل تلك الأمم وفي نسخة ومقالتها (لأنبيائهم قبله ومحنتهم) أي ابتلائهم وفي نسخة ومحنهم بفتح فسكون وهو مجرور ووهم الحجازي حيث قال بفتح النون أي وبامتحان [1] وفي بعض النسخ على قتلاهم قاله مصححه طاهر.