شرهم، أو يتحملونه بالصبر، إذ كانوا قد عرفوهم بافتضاحهم مرة بعد أخرى، حسب قوله تعالى: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التوبة: 126] .
دور المنافقين في غزوة بني مصطلق
ولما كانت غزوة بني المصطلق، وخرج فيها المنافقون مثلوا قوله تعالى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا، وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ فقد وجدوا متنفسين للتنفس بالشر فأثاروا الإرتباك الشديد في صفوف المسلمين، والدعاية الشنيعة ضد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهاك بعض التفصيل عنها.
1- قول المنافقين: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الغزو مقيما على المريسيع، ووردت واردة الناس، ومع عمر بن الخطاب أجير يقال له جهجاه الغفاري، فازدحم هو وسنان بن وبر الجهني على الماء، فاقتتلا، فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار. وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة.
وبلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول فغضب- وعنده رهط من قومه، فيهم زيد بن أرقم غلام حدث- وقال: أو قد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما نحن وهم إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم.
فأخبر زيد بن أرقم عمه بالخبر، فأخبر عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عمر، فقال عمر: مر عباد بن بشر فليقتله. فقال: «فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟ لا، ولكن أذّن بالرحيل» . وذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها، فارتحل الناس، فلقيه أسيد بن حضير فحياه، وقال: لقد رحت في ساعة منكرة؟ فقال له: «أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟» يريد ابن أبي، فقال: وما قال؟ قال: زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال: فأنت يا رسول الله، تخرجه منها إن شئت، هو والله لذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله، ارفق به، فو الله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه يرى أنك استلبته ملكا.