سبب غلبة الإسلام ليس هو التفوق المادي، وكثرة السلاح والجيوش والعدد، وإنما السبب هي القيم والأخلاق والمثل التي يتمتع بها المجتمع الإسلامي، وكل من يمت بصلة إلى هذا الدين، وكانوا يعرفون أن منبع هذا الفيض إنما هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو المثل الأعلى- إلى حد الإعجاز- لهذه القيم.
كما عرفوا بعد إدارة دفة الحروب طيلة خمس سنين، أن القضاء على هذا الدين وأهله لا يمكن بطريق استخدام السلاح، فقرروا أن يشنوا حربا دعائية واسعة ضد هذا الدين من ناحية الأخلاق والتقاليد، وأن يجعلوا شخصية الرسول أول هدف لهذه الدعاية.
ولما كان المنافقون هم الطابور الخامس في صفوف المسلمين، ولكونهم سكان المدينة، كان يمكن له الإتصال بالمسلمين واستفزاز مشاعرهم كل حين. تحمل فريضة الدعاية هؤلاء المنافقون، وعلى رأسهم ابن أبيّ.
وقد ظهرت خطتهم هذه جلية بعد غزوة الأحزاب، حينما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش، بعد أن طلقها زيد بن حارثة، كان من تقاليد العرب أنهم كانوا يعتبرون المتبني مثل الابن الصلبي، فكانوا يعتقدون حرمة حليلة المتبني على الرجل الذي تبناه، فلما تزوج النبيّ صلى الله عليه وسلم بزينب وجد المنافقون ثلمتين- حسب زعمهم- لإثارة المشاغب ضد النبيّ صلى الله عليه وسلم:
الأولى: أن زوجته هذه كانت زوجة خامسة، والقرآن لم يكن أذن في الزواج بأكثر من أربع نسوة، فكيف صح له هذا الزواج؟.
الثانية: أن زينب كانت زوجة ابنه- متبناه- فالزواج بها من أكبر الكبائر، حسب تقاليد العرب- وأكثروا من الدعاية في هذا السبيل، واختلقوا قصصا وأساطير، قالوا: إن محمدا رآها بغتة، فتأثر بحسنها فشغفه حبا، وعلقت بقلبه، وعلم بذلك ابنه زيد فخلى سبيلها لمحمد، وقد نشروا هذه الدعاية المختلقة نشرا بقيت آثاره في كتب التفسير والحديث إلى هذا الزمان، وقد أثرت تلك الدعاية أثرا قويا في صفوف الضعفاء حتى نزل القرآن بالآيات البينات، فيها شفاء لما في الصدور، وينبئ عن سعة نشر هذه الدعاية أن الله استفتح سورة الأحزاب بقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً [الأحزاب: 1] .
وهذه إشارات عابرة، وصورة مصغرة مما اقترفه المنافقون قبل غزوة بني المصطلق، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يكابد كل ذلك بالصبر واللين والتلطف، وكان عامة المسلمين يحترزون عن