فسارع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعث سرية قوامها مائة وخمسون مقاتلا من المهاجرين والأنصار، وأمر عليهم أبا سلمة وعقد له لواء، وباغت أبو سلمة بني أسد بن خزيمة في ديارهم قبل أن يقوموا بغارتهم، فتشتتوا في الأمر، وأصاب المسلمون إبلا وشاء لهم، فاستاقوها، وعادوا إلى المدينة سالمين غانمين لم يلقوا حربا.
كان مبعث هذه السرية حين استهل هلال المحرم سنة 4 هـ، وعاد أبو سلمه وقد نغر عليه جرح كان قد أصابه في أحد، فلم يلبث حتى مات [1] .
بعث عبد الله بن أنيس
وفي اليوم الخامس من نفس الشهر- المحرم سنة 4 هـ- نقلت الإستخبارات أن خالد بن سفيان الهذلي يحشد الجموع لحرب المسلمين، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس ليقضي عليه.
وظل عبد الله بن أنيس غائبا عن المدينة ثماني عشرة ليلة، ثم قدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم، وقد قتل خالدا [2] وجاء برأسه، فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطاه عصا، وقال: هذه آية بيني وبينك يوم القيامة، فلما حضرته الوفاة أوصى أن تجعل معه في أكفانه [3] .
بعث الرجيع
وفي شهر صفر من نفس السنة- أي الرابعة من الهجرة- قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عضل وقارة، وذكروا أن فيهم إسلاما. وسألوا أن يبعث معهم من يعلمهم الدين، ويقرئهم القرآن، فبعث معهم ستة نفر- في قول ابن إسحاق وفي رواية البخاري أنهم كانوا عشرة- وأمر عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي- في قول ابن إسحاق وعند البخاري أنه عاصم بن ثابت جد عاصم بن عمر بن الخطاب- فذهبوا معهم، فلما كانوا بالرجيع- وهو ماء لهذيل بناحية الحجاز بين رابغ وجدة- استصرخوا عليهم حيا من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فتبعوهم بقرب من مائة رام، واقتصوا آثارهم حتى لحقوهم، فأحاطوا بهم- وكانوا قد لجأوا إلى فدفد- وقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألانقتل منكم رجلا. فأما عاصم فأبى من النزول، وقاتلهم في أصحابه، فقتل منهم سبعة بالنبل، وبقي خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر فأعطوهم العهد والميثاق مرة أخرى، فنزلوا إليهم، ولكنهم [1] زاد المعاد 2/ 108. [2] أي خالد بن سفيان الهذلي. [3] نفس المصدر 2/ 109، وابن هشام 2/ 619، 620.