نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبو طالب المكي جلد : 1 صفحه : 342
وبالنظر إلي أزيدهم وهذا غاية الفضل، فأوّل الشكر معرفة النعم، إنها من المولى وحده لا شريك له فيها، ولا ظهير له عليها، إذ قد نفى ذلك عن نفسه لأنه هو الأوّل في كل شيء، لا شيء معه ولا ظهير له في شيء إذ قد جعل الضرّاء والسرّاء منه وإليه جاريين على عباده فقال تعالى: (وَما لَهُمْ فيهما مِنْ شِركِ وما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظهيرٍ) سبأ: 22، الشرك الخلط والظهير المعين، ثم قال تعالى (وما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله ثُمَّ إذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فإليْهِ تَجْئرَوُنَ) النحل: 53، وقال تعالى: (وإنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فلا كاشِفَ لَهُ إلاّ هُوَ وإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُو على كُلِّ شيء قديرٌ) الأنعام: 17، وقال تعالى في جمل النّعم بعد إضافتها إليه: (وَسخَّر لَكُمْ ما في السَّمَواتِ وما في الأرْضِ جَميعاً مِنْهُ) الجاثية: 13، وقال تعالى: (وأسْبغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وباطِنَةً) لقمان: 20، فالأسباب مع صحتها والأواسط مع ثبوتها إنما هي حكمه وأحكامه، فظروف العطاء وآثار المعطي لا تؤثر في الحكم بها والجعل لها حكماً ولاجعلاً يعني لا تحكم ولا تجعل لأنها محكومات فكيف تحكم ومجعولات فكيف تجعل لا حاكم إلا الله وحده ولا يشرك في حكمه أحداً وهذا الحرف في مقرأ أهل الشام أبلغ وأوكد لأنه يخرج على الأمر لأنهم قرؤوه بالتاء وجزم الكاف ولا تشرك في حكمه أحداً، فالأسباب أحكام حق وأواسط حكمه فمشاهدة المنعم في النعمة وظهور المعطي عند العطاء حتى ترى النعمة منه والعطاء عنه هو شكر القلب لأن الشكر عند الشاكرين معرفة القلب ووصفة لا وصف اللسان، وقد أخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك وأمر باقتناء الشكر وإتخاذه مالاً في الآخرة عوضاًمن إاقتناء الأموال في الدنيا، فقال في حديث ثوبان وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: حين نزل في الكنوز ما نزل سأله عمر: أيّ المال نتخذ؟ فقال: ليتخذنَّ أحدكم لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً.
وروينا في أخبار موسى عليه السلام وداود عليه السلام: يا ربّ كيف أشكرك وأنا لا أستطيع أن أشكرك إلا بنعمة ثانية من نعمك، وفي لفظ آخر: وشكري لك نعمة أخرى منك توجب علي الشكر لك فأوحى الله تعالى إليه إذا عرفت هذا فقد شكرتني، وفي خبر آخر: إذا عرفت أن النعم مني فقد رضيت منك بذلك شكراً وشكر اللسان حسن الثناء على الله تعالى وكثرة الحمد والمدح له وإظهار إنعامه وإكرامه ونشر أياديه وإحسانه وأن لا يشكو لمالك إلى المملوك ولا المعبود الجليل إلى العبد الذليل، وفي الخبر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجل: كيف أصبحت قال: بخير فأعاد عليه النبي السلام السؤال ثانية كيف أنت؟ فقال: بخير فأعاد عليه الثالثة كيف أنت؟ فقال: بخير أحمد الله تعالى وأشكره، فقال: هذا الذي أردت منك يعني إظهار الحمد والشكر والثناء، وإنما كان السلف يتساءلون عن أحوالهم إذا التقوا ليستخرجوا بذلك حمداً لله تعالى وشكره فيكونوا شركاءه في ذلك لأنهم سبب ذكره لله تعالى فمن علمت أنه يشكو مولاه
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبو طالب المكي جلد : 1 صفحه : 342