بل كثيرا ما نحسن الظن بأنفسنا؛ فنزكيها بالأقوال لا بالأفعال، وندعي لها الكمالات، ونبرؤها من النقائص.
فإذا سمعنا بخلق حسن نسبناه إلى أنفسنا، وكأننا أحق الناس به وأهله.
وإذا سمعنا بخلق سيئ عزوناه إلى غيرنا، وخيل إلينا أننا بمنجى منه ومنأى عنه.
فهذا المسلك لا يحسن بذوي المروءات، ومتطلبي الكمالات، فهذا مما يورث الإعجاب بالنفس، والرضا بما هي عليه من تقصير، وترك السعي في علاجها وإصلاحها.
وهذا عين الخطأ، وعنوان الغفلة والجهل؛ فإصلاح النفس، والترقي بها قدما في درج المكارم ـ لا يتأتى بتجاهل العيوب، ولا بالغفلة عن تفقد النفس.
قال ابن المقفع: "من أشد عيوب الإنسان خفاء عيوبه عليه؛ فإن من خفي عليه عيبه خفيت عليه محاسن غيره.
ومن خفي عليه عيب نفسه، ومحاسن غيره ـ فلن يقلع عن عيبه الذي لا يعرف، ولن ينال محاسن غيره التي لا يبصر أبدا"[1].
قال محمود الوراق:
أتم الناس أعرفهم بنقصه
...
وأقمعهم لشهوته وحرصه[2]. [1] الأدب الصغير والأدب الكبير، ص 84. [2] أقوال مأثورة، ص 514.