وإلى هذا الحد فالتشابه واضح.
ولكن ها نحن أولاء أمام أول فرق، فلسنا نجد في كتاب الإسلام المقدس صيغة عامة توحد بين الفضيلة والعمل المتوازن كالذي نجده لدى أرسطو، حين قال، "فالفضيلة إذن هي نوع من التوسط، بما أن الهدف الذي تتوخاه هو نوع من التوازن بين طرفين، فالزيادة، والنقص يشيان بالرذيلة، على حين أن الوسط العادل يطبع الفضيلة"[1].
أهذا التعريف كامل؟ أهو دقيق؟ أهو قائم على استقراء كامل؟
ثم نتساءل أولًا: هل تسلم كل المبادئ الأخلاقية بهذا الفرق الكمي، بالزيادة، والنقص والمساواة؟
إننا لن نقف أنفسنا عند مثال "الصدق"، الذي ذكروه أحيانًا على أنه استثناء من القاعدة؛ لأننا نميل إلى تعريف الرجل الصادق بأنه الذي يقول الحقيقة كاملة. وعلى ذلك فنقص الصدق يتمثل أحيانًا في أن نذهب وراء هذا المقياس، أو نقبع دونه. والإنسان الذي يضيف إلى الحقيقة بعض المبالغة، والآخر الذي يقتطع منها ما يخفيه -كلاهما في الخطأ سواء.
فالاعتراض القائم على مثال الصدق يمكن إذن أن يستبعد. ولكن كيف نثبت هذا التقسيم الثلاثي في عمل أخلاقي جواني لا يقبل القسمة؟
ولنأخذ مثلًا "الأمانة" من حيث هي اتفاق باطني للمرء مع نفسه على موقف معين، ففي هذا المجال فعلًا يبدو لنا مبدأ الطرف الثالث المستبعد مطبقًا بكل قوته؛ لأنه إما أن يكون صادقًا مع نفسه، أو لا يكون كذلك، تمامًا كما يقال: فلان يرى، أو لا يرى. [1] انظر: RISTOTE, ETHIQUE, LIVRE II, CH. VI.