أي: لكل واحد منهما أثر في المقصود، وأثر النية أكثر من أثر العمل، فمعناه: نية المؤمن من جملة طاعته خير من عمله الذي هو من جملة طاعته"[1].
وإنا لمتفقون مع الغزالي على قوة هذا التفسير، ولكنا حين تابعنا تعليله لم نتقدم في حل المشكلة التي تشغلنا، فهو يقتصر في الواقع على هذا الاعتبار المشترك، المسلم به من وجهة نظر معينة، أعني أن الغاية الأخيرة التي يقصدها الشرع الإسلامي هي صحة النفس، وما تبقى ليس سوى وسائل لبلوغ هذا الهدف. ونحن نقول: ليكن!! ولكن هذا الرجحان لو صح بالنسبة إلى الأعمال البدنية، وهو صحيح، فهل يكون كذلك في مواجهة العمل القلبي؟ وهل النية خير من الجهد الباطي ذاته أم لا؟ ولماذا هذه الأفضلية؟ ذلك ما لم يقله.
وعلى الرغم مما يبدو من تناقض في تأكيد هذا الرأي، فإننا نرى مع ذلك، أنه مما يمكن إثباته، أولًا؛ لأن الشراح قد حملونا على الظن بأن هذه هي وجهة نظر الفقه الإسلامي، لا بالرجوع إلى هذا النص الذي ضعف سنده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحسب، ولكن إلى القولة الأخرى الأكثر شهرة، والأقوى إثباتًا، وهو قوله, صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"، قالوا: إن كل الأعمال، أقوالها وأفعالها، فرضها ونفلها، قليلها وكثيرها، الصادرة من المكلفين المؤمنين، صحيحة أو مجزئة بالنيات ... فلا عمل إلا بنية ... إلا ما يستحيل دخولها فيه كالنية، ومعرفة الله تعالى، فإن النية فيهما محال. وربما أطلق "العمل" على حركة النفس، فعلى هذا يقال: "العمل إحداث أمر قولًا كان أو فعلًا بالجارحة أو بالقلب"[2]. [1] انظر الإحياء 4/ 355. [2] القسطلاني 1/ 52 و53.