ولقد ذكرنا حتى الآن ما تخص به الأخلاق الإسلامية النشاط الأخلاقي الباطني من تفوق، وكانت مهمتنا ميسرة نسبيًّا، لوفرة النصوص التي تقرر هذه الحقيقة، ولطبيعة الموضوع ذاتها، والقصد الآن أن نعرف إن كانت توجد علاقة رتيبة في الأخلاق الإسلامية بين "النية" و"العمل بعامة".
فأن تكون للنية قيمة امتياز بالنسبة إلى العمل الظاهر، فذلك ما يستخرج منطقيًّا من التدرج الذي سبق إقراره بين القلب والجسد، ولكن أيمكن أن يكون هذا الامتياز ثابتًا لها في مواجهة العمل الباطني؟
ليس لدينا في هذا الصدد سوى نص وحيد، هو حديث مشهور، على الرغم من أن السند الذي يعتمد عليه الطبراني[1] والبيهقي، ليصلا بالنص إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس قويًّا، والحديث هو: "نية المؤمن خير من عمله، وعمل المنافق خير من نيته"[2] وبعد أن ذكر أبو طالب المكي هذا النص قال: إنه فسر بعشرة أوجه، كلها مقبول، ويتناول الغزالي في "إحيائه" أكثر هذه التفسيرات، فيرفضها جميعًا، ما عدا واحدًا، يعتبره الوحيد الذي يتفق مع الهدف الحقيقي للشرع الإسلامي. وكان من بين ما رفضه من الآراء أن قال: "وقد يقال: إن النية بمجردها خير من العمل بمجرده دون النية، وهو كذلك، ولكنه بعيد أن يكون هو المراد، إذ العمل بلا نية، أو على الغفلة لا خير فيه، والنية بمجردها خير". واستطرد يقول: "بل المعنى به أن كل طاعة تنتظم بنية وعمل، وكانت النية من جملة الخيرات، وكان العمل من جملة الخيرات، ولكن النية من جملة الطاعة خير من العمل، [1] رواية الطبراني هذه عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعًا. "المعرب". [2] انظر: كشف الخفاء ومزيل الإلباس، عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس, للمحدث العجلوني 2/ 324, مكتبة القدسي. "المعرب".