"أو مبدأ" إله حكيم، عدل؛ يقول القرآن: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [1]، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [2], {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون} [3].
ومن الطبيعي أن هذا الاستنباط، لكي يكون ضروريًّا، يجب أن يقتصر على الفكرة العامة للمجازاة، وألا يزعم أنه يحدد أشكالها. أمن الممكن -مثلًا- وضع علاقة عقلية بين العمل الوقتي للإرادة الإنسانية، أو حتى الجهد الدائم في هذه الحياة الفانية، وبين مكافأة باقية في حياة خالدة؟ [4].
ولكن، إذا كانت مكافأة كهذه ليست، ولا يمكن أن تكون نظيرًا لأعمالنا -إذا نظرنا إليها في ذاتها- فإنها منذئذ تصبح موضوعًا لوعد، أو التزام. هي العوض في عقد مبرم بين الله والإنسان: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّة} [5]، بشرط أن تبلغ أعمالنا -على الأقل- قدر الأعمال العظيمة، وأن تكون طاهرة، غير [1] الجاثية: 21. [2] ص: 28. [3] ن: 35-36. [4] على أكثر تقدير نستطيع أن نتصور هذا التعادل حين نأخذ معيارًا للمقارنة، ليس العمل الخاص، المؤرخ والمحدد، بل العمل الكلي الذي تتخذه الإرادة -في ذاتها- قاعدة للسلوك، موافقة أو مخالفة للقاعدة الأخلاقية, فالواقع أن الضمير -على هذا المستوى- ينشد المطلق ويستهدفه، ويود أن يتمسك بموقفه إلى الأبد، لو أُوتيَ الإنسان الخلود في هذه الحياة. [5] التوبة: 111.