وليس هذا هو كل شيء، فلنفترض أن القاعدة قد تقررت بالنسبة إلى الناس، وأني تلقيتها، ولكن ها أنذا، لدى ممارستي للعمل، يغيب عني هذا التعليم، يفلت مني كلية، لقد نسيته بكل بساطة. بل إنني قد أكون في حالة تسمح لي بتذكره، عندما أسأل عنه، ولكني لا أتذكر في الحال، بل أكاد لا أشعر بمجرد وجوده، وسواء كان هذا النسيان مجرد ذهول سطحي وعارض، أو نسيان عميق ودائم، مرضي أو عادي -فإن موقفي هو الاستعداد دائمًا أن أكف عن عملي المخالف، أو أوقف نشاطي الذي بدأته، بمجرد أن يذكرني أحد من الناس بالقانون. فكيف أكون مسئولًا عن عمل تم في مثل هذه الظروف؟
عندما يكون النسيان ظاهرة طبيعية، لا تصدر عن إرادتي، ولا ترجع إلى الخطأ من ناحيتي، فهل يكون من المقبول في منطق العدالة المطلقة، القائمة على واقع الأشياء، لا على التخمينات، أو اعتبارات المنفعة -أن أعد مسئولًا عن عمل كهذا، مع ملاحظة صفته القهرية؟ تعالى الله عن ظلم كهذا.
ومن ثم نجد أن القرآن، حينما أنطق المؤمنين بهذا الدعاء: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [1], لم يلبث النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أضاف إليه هذا التعليق المطمئن: "قال -الله- قد فعلت" [2]. [1] البقرة: الآية الأخيرة. [2] صحيح مسلم: كتاب الإيمان, باب 54.
ج- العنصر الجوهري في العمل:
لقد تحدثنا حتى الآن عن العلاقة التي تربط الفرد المسئول بالقانون، وقد رأينا أن المسئولية لا يمكن أن تثبت أو تسوغ في نظر القرآن إلا بشرط أن