فكيف أكون في هذه الظروف مسئولًا دون أن أدري، وكيف تقع المسئولية إذا لم يكن مبعثها تنبيه ضميري؟
الحق أن هذا المبدأ لا يعبر إلا عن نوع من العدالة القانونية، التي ترى الناس من خارج، وتحكم عليهم موضوعيًّا، وإحصائيًّا، تبعًا لسلوك متوسطهم. ولا شك أن من المفيد واللازم لحفظ النظام في المجتمع -أن ننظر إلى الأمور من هذه الزاوية, وإلا فإن الباب قد يتسع كثيرًا، بالنسبة إلى جميع مخالفات القانون، بحجة الجهل بالقانون.
أما فيما يتعلق بالمسئولية الأخلاقية والدينية التي نعالجها الآن، فلا ينبغي أن تقوم إلا على الحالة الواقعية لضميرنا، مع تحفظ واحد هو ألا يزيغ هذا الضمير مختارًا عن الهدى الذي يقدم إليه، بل يحاول أن يبحث عنه عند الحاجة، والله يقول: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [1].
فليس يكفي إذن، في نظرنا، أن يحمل القانون إلى علم الناس بعامة، وأن أكون بحيث أستقبله، بل ينبغي أن نضيف ضرورة إبلاغه إلى علمي، أنا نفسي، سواء أكان ذلك بوساطة التربية، أو النشر، أو الصدفة، أم كان بطلبي إياه في سعيي وبحثي. وقد رأينا -في الواقع- كيف أن القرآن حرص على أن يثبت، على سبيل الحقيقة التاريخية -إن لم يكن على سبيل القانون الثابت- أن التعليم الإلهي الذي خُوطبت به الشعوب القديمة كان يصل دائمًا إلى المعنيين به، قبل أن يلزموا بمسئوليتهم. هذه الحقيقة نفسها يجب أن تنطبق على التعليم القرآني، وإنها لكذلك، فقد قرر القرآن: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [2]. [1] الزخرف: 36. [2] هود: 19.